حديث النبيﷺ عن التيمم وحقيقته
الأحاديث الفقهية

روي عن حضرة النبيﷺ

جُعلتْ لي الأرض مسجدا وطهورًا فأَيُّما رجل مِن أمتي أدركته الصلاة فَلْيُصَلِّ

وفي رواية :-

فأَيُّما رجل مِن أمتي أدركته الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهوراً ومسجدا وفي لفظ فعنده طهوره ومسجده

        * البيان * 

التيمم لغة هو القصد وشرعا مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد ( الأرض )

قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ﴾ [ سورة النساء:].

والحديث دليل على أن التراب يرفع الحدث كالماء وعلى جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض ( ما لم تتغير صورته )

وهو ضربة للوجه وضربة لليدين أو ضربة واحدة للوجه والكفين وكلاهما وارد في قول الأئمة .

     * اقوال الفقهاء والعارفين في ذلك * 
  • حكمة التراب :-

١- أعلم أن النبي ﷺ أمرنا في الوضوء بالماء مسح الرأس ووضع الماء علي الرأس ولم يأمرنا في التيمم بوضع التراب علي الرأس

لأن وضع التراب علي الرأس هو علامة المفارقة والحزن كما كان يفعل النساء في الجاهلية والصلاة وصلة بالله تعالى وليس فراق ورحمة وليس حزن

٢- أن التراب من الأرض فلا تنسي ابدا انك ستموت مهما طال العمر فمنها خلقك واليها تعود فبالتيمم الذي يذكرك مما خلقت ألا تتكبر علي عباد الله تعالى بنفسك وجاهك ومالك وعلمك

٣- وألا تتكبر علي عباد الله بعبادتك واجتهادك من صلاة وصيام وقيام ليل الخ لانه لا حول ولا قوه الا بربك الذي أعانك علي ذلك

* حكم صلاة المتيمم الذي وجد الماء في صلاته * 

قال الإمام الشافعي :

إن المتيمم إذا وجد الماء بعد دخوله في الصلاة إنها إن كانت تسقط بالتيمم مضى فيها ولم تبطل وإن كانت لا تسقط بالتيمم فالافضل قطعها ليتوضأ

وقال الإمام مالك :

إنه يتم ويكمل في صلاته وهي صحيحة وقال الإمام أبي حنيفة يبطل تيممه ويلزمه الخروج من الصلاة

قال الإمام الشعراني:-

الوجه الأول :

أما من قال يمضي ويكمل في صلاته وهي صحيحة السبب في ذلك هو استعظام حضرة الله تعالى أن يفارقها العبد حيث دخلها بطهارة صحيحة في الجملة

الوجه الثاني :

وأما من قال يقطع الصلاة ويتوضا إذا وجد الماء سببه هو استعظام حضرة الله تعالى أيضاً بأن يقف العبد فيها بطهارة ضعيفة ( التيمم ) وهي لا تنعش أعضاءه ولا يحصل بها كمال الإقبال على مناجاة الله عزَّ وجلَّ

وقال علي الخواص :-

إن من وجد الماء في أثناء الصلاة لا يقطعها بل يتمها استحياؤ من العبد أن يفارق حضرة الله تعالى لأجل الوضوء

لأن مناجاة الله تعالى أهم ولأن الصلاة من المقاصد فلا تقطع للوسائل مع ا استغنائه عنها بوسيلة أخرى

. وقال الشعراني:

وأما من قال يقطع الصلاة إذا اتسع الوقت ويتوضأ :-

هو غلبة عظمة الله تعالى على قلبه ، فاستحيا منه أن يقف بين يديه يناجيه بطهارة ضعيفة لا تنعش روحانيتها أعضاءه

فرأى أنَّ ذرة من مناجاة الله تعالى مع حياة البدن أفضل من أمثال الجبال من موت البدن أو ضعفه أو فتوره

     * التيمم والوضوء قبل الوقت * 

قال الإمامان مالك والشافعي لا يجوز التيمم قبل دخول وقت الصلاة

قال الإمام علي الخواص :-

إنَّما أجاز العلماء الطهارة بالماء قبل دخول الوقت دون التيمم لأن الماء لقوة روحانيته يستمر انتعاش الأعضاء به حتى يدخل وقت الصلاة التي بين يديها .

بخلاف التراب فإنَّ روحانية التراب ضعيفة لا تنعش الأعضاء إلى الصلاة التي تليها فلذلك اشترط العلماء في صحة التيمم دخول الوقت لأنه يخاطب بالصلاة فيه

كما أشار إليه قوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قمتُم إلى الصلوة .. إلى آخر الآية )

فإنَّ الأمر بالتيمم داخل في حيز الأمر بالطهارة بالماء على حد سواء لكن خرجت الطهارة بالماء بدليل وبقي التيمم على الأصل من أنه لا يتطهر للصلاة إلا عند دخول وقتها .

  * حكم الجمع بين أكثر من فريضة بالتيمم * 

.

قال الإمام مالك والشافعي وأحمد إنَّه لا يجوز الجمع بين فرضين يتيمم واحد سواء في ذلك الحاضر والفائت وبه قال جماعة من أكابر الصحابة والتابعين

وقال الإمام أبو حنيفة :

التيمم كالوضوء بالماء يصلي به من الحدث إلى الحدث أو وجود الماء ، وبه قال الثوري والحسن

قال الشعراني :-

الوجه الأول في قول الأئمة :-

من قال لا يجمع بالتيمم بين فرضين هو الوقوف على حد ما نقله إلينا المشرع وهو حضرة النبيﷺ

لأنه لم يبلغنا عن النبي ﷺ أنه جمع تیمم واحد بين فرضين أبداً كما نقل إلينا ذلك في الجمع بين فرائض بوضوء واحد في يوم غزوة الأحزاب

والأصل وجوب الطهارة لكل فريضة لظاهر قوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلوة فأغسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. الآية }

أي فيكون الأصل فيه وجوب الطهارة لكل فريضة ولضعف روحانيته أيضاً عن روحانية الماء

خاصة إن تيمم أول الوقت وأخر الصلاة إلى آخر الوقت فإنَّ أعضاء الإنسان تضعف بالكلية حتى كأنه لم يتطهر .

الوجه الثاني :

وأما من قال يجمع بالتيمم ما شاء من الفرائض :

فهو لكونه بدلاً للطهارة بالماء فله أن يفعل به ما يفعل بالوضوء أو الغسل كما له أن يتيمم قبل دخول الوقت كما قال به أبو حنيفة فإن أعضاء التيمم ناقصة عن أعضاء الوضوء وروحانية التراب تضعف عن روحانية الماء

وقال بعض المحققين أنَّ التيمم عبادة مستقلة وليس هو ببدل عن الوضوء والغسل أمرنا الله تعالى بها عن فقد الماء في السفر أو الحضر

 * حكم التيمم لمن يخاف فوات الوقت * 

قال الإمام الشافعي:-

من تعذر عليه الماء في الحضر وخاف فوات الوقت فإن كان الماء بعيداً عنه أو في بئر ولو استقى منه خرج الوقت إنه يتيمم ويصلي ثمَّ إذا وجد الماء أعاد

وقال الإمام مالك :-

إنّه يصلي بالتيمم ولا يعيد وقال الإمام أبي حنيفة إنه يصبر إلى أن يقدر على الماء

قال الإمام الشعراني:-

الوجه الأول في ذلك :

أما من قال يتيمم ولا ينتظر وجود الماء هو الأخذ بالاحتياط في الطهارة المقدور عليها وفي الصلاة

الوجه الثاني :-

وأما من قال يعيد الصلاة إذا وجد الماء هو الاحتياط لكمال الأدب مع الله سبحانه وتعالى

فاستحيا من الله تعالى أن يقف بين يديه فى تلك الصلاة بطهارة ضعيفة لا تحيي اعضاؤه الحياة التي بها يصحُ له كمال الإقبال على مناجاة ربه .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلي آله وصحبه أجمعين. . * المراجع *

  • أنظر الفقه علي المذاهب الأربعة
  • وانظر روضة الطالبين للنووي الشافعي
  • الميزان الشعرانية لعبد الوهاب الشعراني ج١ .