حديث النبيﷺ عن العمل لوجه الله تعالى
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ .:- أرأيتَ رجلًا غزا يلتمِسُ الأجر والذكر ما له فقال ﷺ لا شيءَ له فأعادها ثلاثة مرات يقول لا شيء له.

ثمّ قال النبيﷺ إنَّ اللهَ لا يقبل من العمل إلَّا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهه

{ أخرجه النسائي إسناده حسن عن أبو أمامة الباهلي } .

   * أقوال العارفين في ذلك*

[[ قال العارف بالله ابي العباس التيجاني:-

  • العمل عند عامة الخلق وعند أهل الشريعة :-

النوع الاول من الخلق :-

هو شرك الأغراض وهو عمل أعمال البر لغير الله بل لأجل نيل محمدة من الخلق أو تحصيل غرض من جهتهم أو دفع مضرة أو اتقاء مذمة أو العمل الأجل نيل القصور والحور في الجنة

والنوع الثاني:-

إذا نوى بعبادته وعمله وجه الله أو امتثال أمره وأداء حق ربوبيته والتقرب إليه وعبادته لأجله لا لشيء غيره ورجا مع ذلك من فضل الله عز وجل

ما يهيأ له في الجنة من الحور والقصور أو غيرها وليس استحقاقا لأجل عبادته بل بمحض الفضل والكرم والتصديق بوعد الله عز وجل فذلك لا حرج فيه ولا قادح في إخلاصه

فمن عبد الله لأجله أو لإرادة وجهه أو ابتغاء مرضاته أو امتثال أمره أو توفية أمره بعبادته أو أداء لحق العبودية أو تعظيماً له وإجلالاً أو محبة له أو حياء منه أو شوقاً إليه أو شكراً لنعمه فهو مخلص حقاً ولا يخالطه رياء حيث تجرد عن الأغراض التي تقدمت .

 *  أما العمل عند العارفين  * :

( وهم الذين جمعوا بين الشريعة والحقيقه فكل عمل وراءه غرض دنيوي أو حتي اخروي فهو يعتبر عندهم من الشرك الخفي ويسمي عندهم ) شرك الغرض والعلة والسبب والطلب

والإخلاص عندهم هو تجريد العبادة لوجه الله عز وجل وعبادته لأجله لا يلتفتوا إلى الأكوان بقلوبهم لحظة أو يعتمدوا عليها لمحة أو يحبون منها شيئاً مع المحبوب الأكبر وهو الله عز وجل.

فإنهم يحبون ما أحب الله لأجله سبحانه ولا يحبون غير الله عز وجل لـشـهـوة أو غرض أو قضاء وطر .

(الإشارة الثانية للحديث) :-

العبادة من اجل جنة أو خوفا من النار:-

فأما أهل الشريعة وعامة الناس:-

فإنهم يحبون الجنة لقضاء شهواتهم فيها ويفرون من النار لما يجدون من الألم فيها فهم مع الأكوان لذاتها طلباً وهرباً .

وأما العارفون؛-

فالأكوان كلها عندهم على حد سواء فإنهم يفرون من النار ويسألون النجاة منها ( لعدة وجوه )

الوجه الأول:- لا يخافون النار لذاتها ولا لوجود ألمها بل لكونها دار أعداء الله فهم يكرهون أن يجتمعوا مع الأعداء لحظة فضلاً عن الاستقرار

الوجه الثاني:-. لكون أهلها محجوبين النظر إلى الله عز وجل والنظر إليه من أعظم مطالبهم

الوجه الثالث:- . الامتثال الي الأمر الإلهي لأن الله تعالى أمرهم بالتوقي منها وطلب النجاة منها.

كما قال عز وجل ﷽ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ( سورة التحريم )}

فإنهم يكرهون النار لامتثال أمر الله وليس للنار ذاتها أو خوفا من عذابها وآلامها

وأما طلبهم وحبهم للجنة (فلعدة أسباب) :-

اولا :- . أنهم يحبون الجنة لا لذاتها ولا لقضاء شهواتهم بل يحبونها لأنها دار أولياء الله تعالى ومستقرهم

ثانيا:-. لأنها دار فيها يكون النظر إلى الله تعالى وهو أعظم وأجل طلب يطلبونه

ثالثاً:- . لأن الله تعالى يحبها بحكم شرعه حيث اختارها للأولياء فهم يحبونها بمحبته تعالى فإن المحب الصادق يحب محبوبه ومن أحب محبوبه وما آل إلى محبوبه وذلك من ضرورات المحبة الصادقة

( وعلي ذلك ) فالعارفين في محبتهم للجنة والفرار من النار لله وبالله لا لأنفسهم ولا بأنفسهم بخلاف غيرهم. من عامة الناس وبخلاف أهل الشريعة

والكل لم يخرج عن دائرة الشرع لكنهم لا يلحقون بالعارفين لأن محبة أهل الشريعة من أكبر الذنوب عند العارفين كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين .

لأن العارفين غرقى في بحار التوحيد غائبون عن الأكوان بشهود الملك الحق لا ينظرون إلى غيره لحظة إلا من أجله كما تقدم فهم مع الأكـوان بـأبـدانـهـم نائون عنها بأرواحهم وقـلـوبـهـم وعقولهم ليس لهم في غير الله تعالى إرادة أو مطلب

(الإشارة الثالثة للحديث ) :-

ما جاء من الأذكار والعبادات لسعة الرزق ودفع الشرر وملاك العالم من جلب رزق ودفع فقر وقضاء حاجة مطلوبا لذاته بذلك الذكر أو العبادة فهو شرك الأغراض وهو حرام بإجماع .

وإن كان ذلك المطلوب ليستعين بذلك على عبادة الله عز وجل فلا يخلوا من أمرين :

الأمر الأول:- . إما أن يكون قصده في ذلك الذكر الخاص أو العبادة الخاصة مجرد غرضه من سعة الرزق وغيره عن قصد وجه الله عز وجل بالذكر والعبادة فذلك من شرك الأغراض أيضاً وهو حرام عندهم

الأمر الثاني:- وإن قصد بالذكر والعبادة وجه الله عز وجل ورجا مع ذلك قضاء غرضه وحاجته ليستعين به على العبادة والعمل ويدعوا ربه عقب العبادة بقضاء حاجته فهو جائز ولا حرج فيه

لكن بشرط :- . وهو أن تعتقد أن الله هو الفاعل باختياره لا بذلك الذكر بل عنده لا به وطلب بالذكر وجه الله عز وجل وأن الأذكار والعبادات لا تأثير لها

وأن الله عز وجل هو الفاعل عندها بمحض اختياره لا بعلة ( أو سبب ) فهذا وجه صحته وهذا كله تبينه الأدلة النقلية والله الموفق

فالحاصل من كل ما سبق ذكره :-

أن من عبد الله عز وجل لوجهه لم يخرج عن دائرة الشرع دون غيره إلا أنهم مختلفون .

فبعضهم الحامل على عبادة الله تعالى وجهه أعني الذي قواهم وأنهضهم إليها رجاء الله تعالى واتقاء عقابه . وهؤلاء هم أهل الشريعة

وبعضهم: حملهم على عبادة الله تعالى ونهوضهم إليها معرفته لجلاله وكبريائه وعظمته فعبدوه على الحب والشوق إليها أداء لحق ربوبيته لا لغرض وهم العارفون .

(وما سوي ذلك النوعين فأمره الي الله تعالى أن شاء قبل منه أو لا يقبل أو أعطاه ثواب ذلك أم لا كما قال تعالى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) ]]

{{ روض المحب الفاني}}

الإشارة الرابعة للحديث :-

وهي بيان وتأكيد بأن لا تجعل الذكر والاسماء والأعمال وسيلة لهدف ومطلب :-

[[ وقال العارف بالله علي وفا الشاذلي:- في قوله تعالى :- { وأقم الصلاة لذكرى ( سورة طه) } أي لا تقيم العبادة لأجل الاجر الذي لك عندي ولا لشئ غيري فهذه عبادة المحبين ]]

{ الطبقات للشعراني }

[[ وقال ابن عباد النفري في المخاطبات:-

يا عبد لا تجعلني رسولك الي شئ فيكون الشئ هو الرب واكتبك من المستهزئين بي علي علم .

( اي لا تجعل ذكرك وعملك رسول الي طلب دنيوي أو اخروي فلقد جعلت اسماء ربك وقدرة ربك في الفعل الذي وهبها لك وسيلة فكانك جعلت المطلوب اله لك وجعلت ربك وسيلة لذلك وهو سوء أدب )

يا عبد من كان يعمل للثواب فـتر بدخول التمني ومن كان يعمل خوفاً من العقـاب فتـر بحسن الظن ومن كان يعمـل لوجه الله لا يفتر ]]

{ المخاطبات للنفري }

وقال إبراهيم المتبولي وعلي الخواص :-

[[ لا فرق بين عابد الوثَنِ، وَمَنْ عبد الله لغرض فاسد فإن الأصنام المعنوية كالحسية

لأنَّ كُلَّا من العابدينَ اتَّخذ من دون الله ما لم يأذن به ( اي أنهم اتخذوا ربهم بعبادته وسيلة لهواه وليس لله واعتمادا عليه وتوكلا به له )

وهُم في ذلك علي طبقات :-

فمنهم من قصد بعلمه وعمله وما يفعله من الخير الوصول الي المكانة في قلوب الناس، ودوام وانتشار الجاه والرفعة وهذا غير مخلص لانه عبد ربه لسبب

ومنهم من قصد أعلى الدرجات ونيل الكرامات، والتصرف في الكون والمشي على الماء والطيران في الهواء وكشفَ الغُيُوبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قصد نعيم الجنانِ من حور وقصور

ومنهم من قصَدَ التَّقرُّبَ للهِ والرّضَى عنهُ مِنْهُ والمحبة له

ومِنهُمْ مَنْ لا قصد له في علمه وعمله إلا علمُهُ باستحقاق مولاه العبادة لذاته والذلل والخضوع والوقوف عند أمره ونهيه، متبرأ عن حوله وقوته وعلمه وعمله،وقصده وإرادته

فأتى بعمله على وجه الإخلاص لا يرى أنه أعطى حق الله تعالى بذرة مما كلفه به وهذا الصنف من الناس أفضلهم كلهم لأن كُلُّ ذرّةٍ مِنْ عِبَادَتِهِ تعدِلُ عِبادَةَ أَلف سنة من عبادة أولئك السالف ذكرهم سابقا ]]

{ الدرر الجوهرية }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين

  * المراجع * 
  • روض المحب للمشري السباعي يتصرف يسير
  • الطبقات للشعراني ترجمة الإمام علي وفا الشاذلي وترجمة ابراهيم المتبولي
  • المواقف والمخاطبات للنفري
  • الدرر الجوهرية في شرح الحكم العطائية للمناوي .