حديث النبيﷺ عن الورع
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ كُنْ وَرِعا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ...الخ الحديث

  • معني الورع *

الورع فإنَّه ترك الشبهات خوفاً من الله تعالى وقوله ﷺ كُنْ وَرِعَاً بمخالفة الهوى والإعراض عن الشبهات وكذلك ترك ما لا يعنيك من الورع

وقد روى عن حضرة النبيﷺ الحَلَالُ بَيْن وَالحَرَامُ بَيْنٌ وَبَيْنَهُمَا مَشْتَبِهَاتٌ ، فَمَنْ أَتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوْشِكُ أَنْ يَقَعَ فيه. ( أخرجه البخاري)

.

  • مقياس الورع *

.هو ما إذا فعلته أو أخذته ووجدت عدم راحة في قلبك فإن ذلك مقياس للقلب الطاهر لأن الشبهة قد يكون فيها إثم ولذلك روي عن حضرة النبيﷺ الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس فلا يشترط أن تعلم الناس حتي لا يكون شبهة بل الأساس ما حاك في صدرك وضاق به قلبك

. وروي عن حضرة النبيﷺ أوحى الله إلى موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أنه قال :- " لا يتقرب إلى المتقربون بمثل الورع "

[[ قال العارف بالله أحمد السرهندي:-

قال بعض العلماء بالله : لا يتم الورع إلا أن يرى عشرة أشياء فريضة على نفسه:- أولها : حفظ اللسان عن الغيبة .

والثاني : الاجتناب عن السخرية .

والثالث : الاجتناب عن سوء الظن

والرابع : غض النظر عن المحارم.

والخامس : صدق اللسان .

والسادس :أن تعرف منة الله عليك فلا تعجب بنفسك.

والسابع : أن تنفق مالك في الحق ولا تنفقه في الباطل .

والثامن : أن لا يطلب لنفسه العلو والكبر . والتاسع : المحافظة على الصلوات

والعاشر : الاستقامة على السنة والجامعة

وروي عن حضرة النبيﷺ أنه قال لأبي هريرة رضي الله عنه : كن ورعا تكن أعبد الناس .

وقال عبد الله بن المبارك :- رد درهم من الحرام أفضل من مائة درهم يتصدق به

وقال الحسن البصري:- مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة .]]

{المكتوبات الربانية للسرهندي المكتوب رقم ٣٧٩}

.

  • أحوال وبيان الورع للعارفين*

  • قال قتادة المرعشي:- ثَلَاثُ خِصَالٍ إِنْ كُنْ فِيكَ لَمْ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ خَيْرٌ إِلَّا كَانَ لَكَ فِيهِ نَصِيبٌ :

يَكُونُ عَمَلكَ لله . وتُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ. ورزقك اجعله من حلال وتورع فيه مَا قَدَرْتَ

.

  • .كان سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعن صحابة النبي ﷺ جميعا يترك مائة باب من حلال خوفا من باب واحد حرام

  • وقال ابراهيم إبن الأدهم رضي الله عنه:-

أَطِبْ مطعمك وَلَا عليك أَنْ لا تقوم اللَّيْلَ وَلا أن تصوم النهار .

( أي اجعل مالك وطعامك من حلال وليس من حرام ولا حرج عليك ولا لوم إن لم تستطع أن تقوم الليل وتصوم النهار فكل ميسر لما خلق له )

.

  • وقال كَهْمَسُ :

أذنبت ذنباً وها أنا ذا أبكي عليه منذ أربعين سنة وذلك أنه زارني أخ لي فاشتريت لأجله سمكة مشوية ليأكلها

فلما فرغ من أكلها أخذت قطعة طين من جدار جارٍ لي حتَّى غسل بها يده ولم أعلم بذلك جاري حتي يأذن لي بذلك قبل أخذي لها

  • ورجع عبدالله بن المبارك من بلده (مرو ) إلى الشام بسبب قلم استعاره فلم يرده إلي صاحبه .

لأنَّ العارية ( أي الشئ المستعار ) مضمونة مؤداة فرجع ليؤديها وإن كان مثل ذلك قد يتسامح فيه !! .

  • واستأجر إبراهيم النَّخَعِيُّ دابَّة فسقط سوطه من يده ، فنزل وربط فأخذ السوط من الموضع الذي سقط فيه

فقال الناس له لو حولت الدابة إلى الموضع الذي سقط فيه السوط فأخذته كان أسهل لك

فقال لا إنما استأجرتها لامضي علبها هكذا

إنَّما استأجرتها لأمضي عليها هكذا .. لا هكذا

فعل ذلك تورعاً وإن كان تركه مما يُسامح فيه وهو أنه كان يمكنه أن يقف موضعه ويأمر غيره أن يناوله السوط ولا يرجع ولكنه تورع عن سؤال الناس وتسخيرهم

  • وكان سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه . كان راكباً على بعير فقط يقود البعير من يده إلى الأرض فأوقف البعير ثم نزل وأخذ مقوده ( حبل يقود به البعير ) وركب عليه.

فقيل له في ذلك أي لماذا لم تطلب من أي شخص يناولك الحبل فقال لهم إن حبيبي رسول الله ﷺ أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً ( أخرجه أحمد )

.

  • وكان حسان بن أبي سنان لا ينام بالليل مضطجعاً بل على حالته التي هو عليها ولا يأكل سميناً ولا يشرب ماء بارداً ستين سنة لكمال شغله بربه

فرآه بعضهم في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله تعالى بك ؟ .فقال خيراً إلا أني محبوس عن الجنة بإبرة

أي بسبب إبرة استعرتُها فلم اردها إلى صاحبها هذا يدلُّ على كمال ورعه مع أنه لم يسامح بإبرة

فإذا كان العبد حبيبا وقريبا الي ربه لم يسامح في حقوق الناس وهو شئ صغير فكيف بمن أكثر ليله ونهاره يتمضمض بأعراض الناس في الغيبة والنميمة والسب والقذف وغيرها من المحرمات

.

  • وروي أن سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام مرَّ بمقبرة فنادى علي رَجُلاً منها من أهلها فأحياه الله تعالى فقال له مَن أنت وكيف حالك ؟! .

فقال : كنتُ حمالا أنقل للناس أمتعتهم فنقلت لإنسان يوماً حطبا فكسرت منه خلالا ( عود رفيع من الحطب ) تخللتُ به ( اي نظف به أسنانه ) فأنا مطالب به منذ متُ .

وإن كان مثله منا من يسامح في ذلك وذلك لخبر ( أدَّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ أَثْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ من خانك ) أخرجه أبو داود والترمذي

.

  • وقال الشيخ علي العطّار مررت بالبصرة في بعض الشوارع فرأيت بعض المشايخ جالسون وصبيان بجانبهم يلعبون بما يكره الناس ويستحيى منه

فقلت للأطفال أما تستحيون من هؤلاء المشايخ

فقال صبي من بينهم هؤلاء المشايخ قل ورعهم فزالت هيبتهم في قلوب الناس لأنه لو كمل ورعهم لنهونا عن ذلك فلما لم ينهونا عن ذلك زالت حرمتهم عندنا لذلك

.

  • وجاءت أخت بشر الحافي إلى الإمام أحمد ابن حنبل . وقالت له إنا نغزل على سطوحنا فتمر بنا مشاعل عساكر السلطان ويقع شعاع المشاعل علي سطوحنا فيزداد النور عندنا زيادة على نور السماء

فهل يجوز فيجوز لنا أن نغزل الثياب في شعاع هذه المشاعل ؟. فقال الإمام أحمد لها لمعرفته مَن أنتِ عافاك الله تعالى

فقالت أختُ بشر الحافي ( وأخوها بشر كان من كمل العارفين وقمة في الزهد والورع وكان قد مات )

فبكي الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله على موت بشر وأمثاله من الدنيا وقال لها من بيتكم يخرج الورع الصادق لا تغزلي في شعاعها .

.

  • تنبيه*

كلما دققت في مالك بأخذ الحلال وترك الشبهات وترك ما لا يعنيك توسع عليك الصراط في الآخرة وكلما توسعت في المال والاعمال بلا ورع ضيق عليك الصراط يوم القيامة

أي من ضيق الصراط المستقيم في الدنيا علي نفسه وسع الله تعالى الصرط يوم القيامة والعكس بالعكس لأن الصراط يوم القيامة أحد من السيف

فيتوسع لمن صلح حاله في دنياه فينجو من النار ويضيق علي من فسد حاله في دنياه فلا يستطيع المرور فيقع في جهنم

أعاذنا الله تعالى وإياكم من ذلك ونجانا من المهالك وهدانا الي صراطه المستقيم في الدنيا ونجانا من الصراط الدقيق يوم القيامة آمين يارب العالمين . والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلي آله وصحبه أجمعين

.

  • المراجع *

  • إحكام الدلالة على تحرير الرسالة القشيرية للعارف زكريا الانصاري

  • أنظر الكواكب الدرية للمناوي ترجمة الائمة السالف ذكرهم

  • انظر تذكرة الأولياء للعطار ترجمة الائمة السالف ذكرهم .