حديث النبيﷺ عن الولاية ج١
المعرفة الإلهية و العقيدة

  • حديث الولاية ج ١ *

روي عن حضرة النبيﷺ في الحديث القدسي:-

إن الله تعالى قال منْ عادى لي وَلِيّاً فقد آذنتهُ بالحرب وَمَا تقرب إِلَيَ عبدي بشيء أحب إِلَيَ مِمَّا افترضت عليه وَمَا يزال عبدي يتقرب إِلى بالنَّوافِل حتى أحبه

فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الَّتي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وَإِنْ سألني أعطيته ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه

{ رواه البخاري وغيره بألفاظ متقاربة..} .

        * البيان *

( أن العبد يصل إلى درجة الولاية بحبه لربه ونبيه فيكثر من النوافل من عبادات وأعمال صالحة فيجعله ربه من أوليائه فضلا ومنة عليك

ومن يعادي الأولياء سواء بالكلام أو الفعل فهو يعادي ربه فيعاقبه ربه في نفسه أو ولده أو كلاهما معا

لأن الولي يصل إلي درجة الصفاء الكامل فتموت نفسه وحسه فينطق بالله ويسمع بالله ويري بنور الله ولا يرد الله تعالي له دعاء ولا طلب قبل أن ينطق لسانه .

          * اقوال العارفين في ذلك * 

قال محي الدين ابن عربي:-

[[ لا تصح النوافل إلا بعد تكملة الفرض وفي النفل عينه فروض ونوافل تكمل الفرائض

ولقد ورد في الصحيح في الحديث القدسي عن حضرة النبيﷺ يقول المولي عز وجل:

انظُروا في صلاة عبدي أتمّها أم نقصها فإنْ كانتْ تامَّةً كُتِبتْ له تامة وإنْ كان انتقص منها شيئًا قال انظروا هل لعبدي مِن تطوع فإن كان له تطوع قال أَتمُّوا لعبدي فريضته مِن تطوعه ثمَّ تؤخَذُ الأعمال على ذاكم

{ أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه}

وليست النوافل إلا ما لها أصل في الفرائض وما لا أصل له في فرض فذلك إنشاء عبادة مستقلة يسميها علماء الرسوم بدعة ( وهي لبست كذلك بل هي سنة حسنة )

قال الله تعالى ورهبانية ابتدعوها وسماها رسول الله ﷺ سنة حسنة والذي سنها له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً

ومن النوافل :

نافلة الصيام ونافلة الصلاة ونافلة الزكاة ونافلة الحج ونافلة العمرة ونافلة الذكر والباب الجامع لما يعطي جميع النوافل أن يكون الحق يحبه فأنتجت النوافل محبة الله لعبده .

ولكن ما كل محبة ( تنتج حب العبد لربه فيخصه بالولاية ) بل المحبة بالنوافل التي لها أصل في الفرائض وبها الحق سمعك الذي تسمع وبصرك الذي تبصر به ويدك ورجلك فأكثر من النوافل التي لها أصل في الفرائض ]]

{ الفتوحات المكية لإبن العربي ج١} . وقال الإمام الطيبي :-

[[ في بيان معنى الحديث :: أي أجعل سلطان حبي غالباً علي عبدي حتى يسلب منه الاهتمام بشيء غير ما يقربه إلي الله تعالى فيصير متخلصاً من الشهوات ذاهلاً عن الحظوظ واللذات مقيماً بقلب أينما توجه لقي الله تعالى بمرأى منه وسمع

فلا تطرق حالته الغفلة ولا تحول دون شهوده الحجب ولا يعتري ذكره النسيان ولا يخطر بباله الأكوان ( من مال وجاه وزوجة وولد وعمل ...الخ ) فيأخذ المولي عبده بمجامع قلبه بحب الله تعالى

فلا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله ويرضاه ويكون الله سبحانه في ذلك له يداً ومؤيداً وعوناً ووكيلاً فيحمي سمعه وبصره ورجله عما لا يرضاه ]]

{ انظر شرح مشكاة المصابيح للإمام الطيبي}

وقال الزيني دحلان :-

[[ وقيل إن الحديث مجاز أو كناية عن نصرة الله لعبده المتقرب إليه بما أمره كأنه سبحانه وتعالى نزل نفسه من عبده منزلة الآلات والجوارح التي يستعين بها

كما روي عن حضرة النبيﷺ :.
( بي يسمع ويي يبصر وبي يبطش وبي يمشي )

( الترمذي في نوادر الأصول )

أي أنا الذي أقدرت عبدي على هذه الأفعال وخلقتها فيه وليس معني ذلك الحلول والاتحاد للمولي عز وجل بعبده فهذا غير وارد .

لأن الحلول هو دخول شئ في شئ والإتحاد جعل الشيئين شئ واحد وهو عز وجل منزه عن ذلك تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا ]]

{ تقريب الأصول ص ١٢٩ - ١٣١ بتصرف }

وقال العربي الدرقاوي:-

[[ انظر ما قال الله في العبد الحقيقي لا المجازي وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل أي من أقوال وأفعال وأحوال وأخلاق وسيرة

فإذا أحبك مولاك غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته معنى غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته

أي غطى وصفك أيها العبد الجاهل بوصفه العلم وغطى وصفك بالبعد غطاه بالقرب وغطى وصفك بالذل غطاه بالعز ووصفك بالموت غطاه بالحياة : مائة صفة

فإذا لبست هذه الصفات تحولت بشريتك إلى روحانية نورانية ملكية انفعلت لك الأكوان العلوية والسفلية تسرح وتمرح حيث شاءت

لأنك تحولت من وصف البشرية إلى وصف الروحانية النورانية وارتفعت عنك الحجب والأستار لأنك تخلقت بوصف العبودية فأمدك المولي عز وجل بوصف الربوبية .

كما روي في الأخبار :-

قال الحق ﷻ ( قم بخدمتنا نقوم لك بقسمتنا )

وقال ﷻ ( كن لي كما أريد أكون لك كما تريد )

وقال ﷻ ( يا عبدي أنا الله الذي لا إله إلا أنا أقول للشيء كن فيكون إذا أطعتني فيما أمرتك واجتنبت ما نهيتك جعلتك تقول للشيء كن فيكون ) ]]

{ سلسلة أعيان المغرب بتصرف }

[[ وقال ابي القاسم النصرآبادي:-

يمكن ادراك المعرفة بثلاثة أمور :-

١- بإتباع السنة ( قولا وعملا وحالا ) .

٢- وقرب الحق عز وجل بأداء الفرائض .

٣- والمحبة بالمواظبة على النوافل .

{ تذكرة الأولياء للعطار }

وقال عبد القادر الجزائري:-

[[ قوله ﷻ فإذا أحببته كنت سمعه....الخ الحديث
أي أزلت عنه حجاب الجهل فعرف الأمر على ما هو عليه وهو ما بينه آخر الحديث لا أنه حدث شيء لم يكن

وإنما المراد أنه رفع المتقرب بالنوافل أي الطالب القرب من الله سبحانه وتعالى فكان ما كان وهذه المرتبة أول مراتب الولاية

وفي قوله تعالى: ﷽ ﴿أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ الله }

أجمع جمهور المحققين من أهل الله تعالى على أن الولاية مكتسبة والاكتساب افتعال وهو طلب الشيء بقوة واجتهاد

وعليه فالعمل لأجل تحصيل الولاية التي معناها القرب من الله تعالى برفع الحجب وإخلاص العبودية إليه وصدق التوكل عليه ليس بعلة قادحة في العبادة

وقوله لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل الحديث إيماء إلى ما ذكرنا فإن المتقرب يفعل أي يطلب القرب

ومن المعلوم ضرورة أن الإخلاص في الأعمال واجب بإجماع وأجمع أهل الله تعالى أنه لا يصح الإخلاص لأحد إلا بعد موت النفس

وأجمعوا على أن موت النفس لا يكون إلا بعد معرفة حقيقتها التي هي شرط في معرفة ربها فمن البعيد أن يكون هذا القصد والطلب علة قادحة في العبادة

لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب وأما إذا قصد بالعمل الولاية بطلب ظهور الخوارق والكرامات وانتشار السمعة وإقبال الخلق فهذا لا يشك أحد أنه علة بل شرك ( خفي سلمنا الله تعالى منه )

فبداية الولاية بمعنى التوفيق لطلبها موهبة لأنها حال والأحوال مواهب ووسطها اكتساب

لأنه جد واجتهاد وارتكاب أهوال ورياضات ومجاهدات وآخرها ولا آخر لها ونهايتها ولا نهاية لها تكون مواهب ومنحة من الله عز وجل . ]]

{ المواقف ا للجزائري موقف ٦٧ } . والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين

والي الجزء الثاني من الحديث : .