حديث النبيﷺ عن الولاية ج٣
المعرفة الإلهية و العقيدة

  • حديث الولاية ج ٣ *

    • قوله ﷻ كنت سمعه ..الخ وأنها من الكرامات *

قال علي الجمل:-

[[ اعلم يا أخي أن العبد إذا كان صادقاً في إرادته لا بد أن يظهر عليه أثر ذلك الصدق في بدايته بمواظبته على الأذكار لأن الإنسان ما أحب شيئا إلا أكثر من ذكره

وإذا استمر الإنسان على ذكر الله تعالى تنبع الحكمة على لسانه فيصير لسانه ينطق بالحكم والعلوم والمعارف والأسرار من غير تعلم .

وإذا ترقى من الأقوال إلى الأفعال فيمتزج ذلك الذكر في جوارحه فيصير القول فعلاً فتصير جوارحه كلها تتحرك بالله كما قال في الحديث لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث .

فإذا جلس جلس بالله وإذا قام قام بالله وإذا تحرك تحرك بالله وإذا نطق نطق بالله وإذا نام نام بالله وإذا استيقظ استيقظ بالله وإذا سكت سكت بالله فيكون حاله ومقاله بالله وفي الله وإلى الله ]]

{سلسلة أعيان المغرب ص ١٣٠ بتصرف } . .

  • لماذا كرامات الصحابة أقل من غيرهم من الأولياء *

أليس الصحابة والتابعين الكرام رضي الله عنهم أجمعين ممن ينطبق عليهم الحديث بل إنهم أولي الناس وأحق بالوصف الإلهي لهم في الحديث

فلقد شربوا من بحر النبوة والنور المحمدي للنبي ﷺ فلماذا لم تكن كرامتهم كثيرة وظاهرة كما في الحديث وقلة ظهورها في زمانهم بخلاف الأزمنة اللاحقة بعدهم .

قال أحمد الفاروقي السرهندي:-

[[ ظهور الخوارق ليس من أركان الولاية ولا من شرائطها بخلاف المعجزة من النبي ﷺ فإنها من شرائط مقام النبوة ومع ذلك إن ظهور الخوارق من أولياء الله تعالى شائع دائماً قلما يتخلف عنهم

ولكن كثرة ظهور الخوارق لا تدل على الأفضلية فإن التفاضل هناك باعتبار درجات القرب الإلهي جل سلطانه بل قد يكون ظهور الخوارق من الولي الأقرب أقل ومن الأبعد أكثر .

ألا ترى أن الخوارق التي ظهرت من بعض أولياء هذه الأمة لم يظهر عشر عشيرة من الصحابة الكرام مع أن أفضل الأولياء لا يبلغ أدنى درجة من الصحابة فالنظر إلى ظهور الخوارق من قصور النظر ودليل على الاستعداد التقليدي .

فظهور الخوارق لم ينقل من أكثر المتقدمين في طول عمرهم أزيد من خمسة أو ستة خوارق حتى أن الجنيد سيد هذه الطائفة لم يدري أحد هل نقل عنه عشرة خوارق أو لا .]]

{المكتوبات الربانية رقم ١٠٧ }

وقال السرهندي رضي الله عنه :-

وظهور الخوارق من شرائط النبوة لا من شرائط الولاية فإن إظهار النبوة واجب دون إظهار الولاية بل إن إخفاء الكرامة أولى فالإظهار لازم للدعوة والستر مناسب للقرب

فكثرة ظهور الخوارق من الولي لا يدل على أفضليته على غيره من الذين يظهر منهم من الخوارق بل يجوز أن يكون ولي لا يظهر منه خارق أصلاً أفضل من الأولياء الذين ظهرت منهم الخوارق

وينبغي أن تعلم أن الرياضات والمجاهدات من شرائط طريق الإنابة والإرادة وإنها ليست بشرط في طريق الاجتباء ( الاصطفاء)

فالرياضة ومجاهدة النفس والاقتصاد على ضروريات المباح وإن لم تكن شرطا للوصول في طريق الاصطفاء الإلهي ولكنها محمودة في ذاتها ومستحسنة

بل النظر إلى الفوائد المذكورة ضرورة ولازمة ( ربنا أننا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا ) ]]

{المكتوبات الربانية رقم ٤٩٨ } . وقال عبد القادر الجزائري :-

حصل لي ( ذات مرة ) قبض واستبعاد للطريق لجهلي بنفسي واعتقادي البعد من ربي فغيبني الحق تعالى من نفسي وألقى علي قوله تعالى :﷽

{ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } وقوله تعالى
﷽ { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ .

فأخبرني عز وجل في الآيتين أن الملائكة مع كثرتهم التي لا يحصيها إلا خالقهم يسبحونه ويذكرونه فلا تتوهم أنك تذكره وحدك فتتدلل بعبادتك وذكرك

فإنه سبحانه وتعالى يفعل بك ما يريد لا ما تريد وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد فاعرف قدرك وتأدب فإن العبد يفعل ما يليق بالعبودية والرب يفعل ما يليق بالربوبية

( أي أن الطريق إلي الله تعالى ليس لأجل كرامة أو ولاية والمجاهدات كلها لترويض النفس للعبودية فإن شاء جعلك وليا به تسمع وبه تبصر وإن شاء لم يكن ذلك

فالاصل ليس ولاية وكرامة بل عبودية محضة سواء اعطاك ام لا وإن اعطاك فوقتما شاء لا ما تشاء وإن لم يعطيك فيكيفك أنه وفقك الي طريق ذكره وطريق ترويض نفسك فافهم تسلم ) ]]

{المواقف للجزائري رقم ٢٩٩ بتصرف )}

وقال محي الدين ابن عربي:-

[[ الكرامة من الحق من إسمه البر ولا تكون إلا للأبرار من عباده جزاء وفاقاً والكرامة على قسمين حسية ومعنوية.

أولا الكرامة الحسية :

فالعامة لا تعرف إلا الكرامة الحسية مثل الكلام على الخاطر والأخبار بالمغيبات الماضية والآتية والمشي على الماء وأختراق الهواء وطي الأرض وأجابة الدعاء في الحال فالعامة لا تعرف غير هذه الكرامات

ثانيا وأما الكرامة المعنوية:-

فلا يعرفها إلا الخواص من عباد الله تعالى والعامة لا تعرف ذلك وهي أن تحفظ عليك آداب الشريعة وأن يوفقك مولاك لفعل مكارم الأخلاق وأجتناب سفسافها والمحافظة لآداء الواجبات لوقتها وفعل الخيرات

وإزالة الغل والحقد من صدور الناس والحسد وسوء الظن أي طهارة القلب من كل صفة مذمومة وتحليته بالمراقبة ومراعاة حقوق الله ﷻ في نفسه وفي الأشياء

فالكرامات المعنوية للأولياء هي التي لا يدخلها مكر ولا استدراج بل دليل على الوفاء بالعهد وصحة القصد والرضى بالقضاء ولا يشاركك في هذه الكرامات إلا الملائكة المقربون وأهل الله تعالى المصطفون الأخيار .

وأما الكرامات الحسية التي يعرفها العامة فكلها يمكن أن يدخلها المكر الخفي ثم إذا فرضناها كرامة فلا بد أن تكون نتيجة عن استقامة أو تنتج استقامة لا بد من ذلك

وإلا فليست بكرامة وإذا كانت الكرامة نتيجة استقامة فقد يمكن أن يجعلها الله ﷻ حظ عملك وجزاء فعلك فإذا قدمت عليه يمكن أن يحاسبك بها.

فأفضل ما أكرمهم به المولي عز وجل من الكرامات هو العلم خاصة لأن الدنيا موطنه وأما غير ذلك من خرق العادات فليست الدنيا بموطن لها . . فقد سئل الناس أبو يزيد البسطامي عن طي الأرض فقال ليس بشئ فإن إبليس يقطع من المشرق إلى المغرب في لحظة واحدة وما هو عند الله تعالى بمكان

وسئلوه عن اختراق الهواء للعبد الصالح فقال أن الطير يخترق الهواء والمؤمن عند الله تعالى أفضل من الطير فكيف يحسب كرامة من شاركه فيها طائر وهكذا علل جميع ما ذكرناه .

فأسباب حصول العلم كثيرة فلقد قال النبي ﷺ وقل رب زدني علما ولا أعني بالعلم إلا العلم بالله تعالى والدار الآخرة وما تستحقه الدار الدنيا وما خلقت له ولأي شئ وضعت فلا يجهل من نفسه ولا من حركاته شيئ. ]]

{ الفتوحات المكية ج٢ ص ٣٦٩ بتصرف يسير }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلي آله وصحبه أجمعين.

والي الجزء الرابع من الحديث: .