حديث النبيﷺ عن تغيير المنكر وكيفيته
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ)  رواه مسلم.عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه

  • الإشارة الأولي في الحديث *

لايحق لأحد تغيير المنكر الا إذا كان معلوم من الدين بالضرورة من شرب الخمر والقتل الخ أما ما فيه اختلاف العلماء وليس في الأصول بل الفروع فلا يحق لأحد أن يتهم غيره بخطأه في الشرع لأن كل مذهب له دليله والسنة واسعة والاجتهاد لا يغلق بابه إلا بنزول سيدنا عيسى.د علي نبينا وعليه الصلاة والسلام

وليس كل الناس يعلمون كل الأحاديث فقد روي عن حضرة النبيﷺ ستون الف حديث الفين حديث في الأحكام والباقي اخلاق فأي مسئلة أو حكم فقهي توسع العلماء فيه فلا ينبغي التحجير علي صاحبه

    * الإشارة الثانية * 

إن تغيير المنكر بدرجاته يكون لأهل الحل والعقد فالتغيير باليد لأهل السلطة واللسان للعلماء والقلب للعامة بنفور القلب من الفعل والدعاء ولو تركنا التغيير لكل أحد باليد واللسان بغير علم لفسدت الأحوال فكل ميسر لما خلق له وحذرنا النبي من ذلك :-

حيث روت السنة عن حضرة النبيﷺ أن حجرا شج رأس أحد الصحابة ثم احتَلَمَ، فسألَ أصحابَه، فقال: هل تَجِدونَ لي رُخصةً في التَّيمُّمِ؟ فقالوا: ما نَجِدُ لكَ رُخصةً وأنتَ تَقدِرُ على الماءِ. فاغتَسَلَ، فماتَ، فلَمَّا قَدِمْنا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُخبِرَ بذلك، فقال: قَتَلوه قَتَلَهمُ اللهُ، ألَا سألوا إذْ لم يَعلَموا؛ فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كان يَكفيه أنْ يَتيَمَّمَ ويَعصِرَ أو يَعصِبَ -شَكَّ موسى- على جُرحِه خِرقةً، ثم يَمسَحَ عليها ويَغسِلَ سائِرَ جَسَدِه.

فقول حضرة النبيﷺ شفاء الجهل السؤال وقوله قتلوه قتلهم الله دليل وتحذير شديد للناس بألا يفتوا في مسألة بغير علم وهي مسألة في الفقه لأن عدم العلم أشد من السلاح لما يؤدي من الفتن التي تزيد الفتن والبلاء في الدين والدنيا

وإذا كان هذا قول النبيﷺ في الفقه فكيف بالحدود وما يخص العقيدة من تكفير الناس بغير علم باعتقادهم أن ذلك منكر بفعل من أفعال الناس وللفعل عدة وجوه في الفقه والشريعة

   * الإشارة الثالثة*

إن تغيير المنكر بالقلب ليس علي ظاهر الحديث بأنه أضعف الايمان إنما هذا للعامة من الناس أما أهل الخصوصيه من الأولياء والصالحين فقلوبهم شديدة وقوية بالإيمان لأن قلوبهم لم يدخل فيها دنيا بل حب الله وذكره والتعلق بالله وحده

فكم من الأولياء غير المنكر بقلبه بمجرد رؤيته مثل أبو الحسن الشاذلي وإبراهيم الدسوقي وذكر الشعراني في طبقاته عن جم غفير من الأولياء غيروا المنكر بقلوبهم دون حركة لأنهم في معية من كان سمعه يربه وبصره بربه وقلبه مع ربه

ومنهم من غير المنكر بمجرد دعاء لسانه وقلبه صافي منور بنور الله تعالى يتغير المنكر في لحظتها وهو في بلده او في بيته لم يتحرك

  * الإشارة الرابعة *

من الأدب مع الله أن تستر عباد الله فليس كل منكر نظهره بل نستره ونصلحه في السر كما روي عن رجل بلغ النبي عن حادثة الرجل الذي زني :- ففي رواية: ((أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك  ))

فإذا أمكن ستر المنكر مع تغييره والنصيحة به في السر فهو أفضل وأولي لأن الستر صفة من صفات حضرة الحق سبحانه وتعالى كما روي عن حضرة النبيﷺ إن الله حي ستير يحب الحياء والستر

 * الإشارة الخامسة * 

من الشكر علي نعمة ربك عليك وأنت لست أهلا لها إذا رأيت عبدا علي معصية أو ذنب أو منكر واضح أن تدعوا الله له بالهداية كما هداك وأن يصلح حاله كما أصلح حالك ولا تستصغره ولا تحتقره فإن فعلت ذلك فما يدريك ان تقع مثله في المحظور بسوء أدبك

كما قال أحد العارفين:؛ من عاب أو عير اخوه بذنب لم يمت حتي يفعل مثله

وقال أحد العارفين لا تدعوا علي أحد ولا تحتقر أحد ولا تنقص من قدره إن كان علي معصية ومنكر حتي لو كان كافرا فإنك لا تدري بالخاتمة فلعله يتوب ويموت علي صلاح وتسوؤ خاتمتك انت

وأحمد الله تعالى أن وفقك للعمل الصالح والهداية . فمن الحمد أن تدعوا لغيرك بمثل ما أنت فيه فالهادي هو الله وليس ذكاؤك وحرصك والموفق للصالح من كل شئ هو الله

كما روي عن ذو النون المصري

إن وجدوا قوما في سفينة يطربون ويلهون ويشربون الخمر فقال أصحابه ادع عليهم فقال اللهم أسعدهم في الآخرة كما اسعدتهم في الدنيا فقالوا تدع لهم ولا تدع عليهم فقال ما يضركم إذا أسعدهم الله تعالى في الآخرة قالوا لا شئ فما هي إلا دقائق وجاء أهل السفينة تائبين علي يد ذو النون المصري

   * الإشارة السادسه *

إن من اقوي أحوال عدم حدوث المنكر وليس تغييره فقط هو صلاح حال الإنسان ذاته لأن الكون مرآة العبد فإذا صلح حالك انصلح حال الكون كما قال حضرة النبيﷺ المؤمن مرآة المؤمن

فكلنا كالمرايا لبعضنا ولذلك قال العارف بالله الإمام الجنيد اعلم فساد حالي مع ربي بسوء خلق زوجتي وتعثر دابتي

فإذا انصلح حالك لم تري منكر إلا إذا كان بقضاء الله وقدره فزيادة المعاصي ووجود فعل المنكرات بفساد أحوال العلماء وظهور الدجالين والمشعوذين بسبب فساد حال الخاصة

وانظر الي حال الأمة في عهد الخلافة الأموية ففيها ما فيها ولما انصلح حال الناس ولي عليهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فملئت الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما وفجورا فافهم

ففساد الأحوال من منكر ومعصية بسبب ثلاثة :-

[[ قال العارف بالله ابي بكر الوراق:- الناس ثلاثة :- الأمراء والعلماء والفقراء ( عامة الناس) فساد الأمراء جور وظلم فتفسد المعايش

وفساد العلماء الرغبة في الدنيا واتباع الهوى فتفسد الطاعة

وفساد الفقراء ترك طاعة ربهم وعدم الرضي فتفسد الأخلاق ]]

{ تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ترجمة الوراق }

   * الإشارة السابعه *

أن ترضي بالقضاء ولا ترضي بالمقضي به

[[قال العارف بالله محي الدين ابن العربي:- إن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء كذلك سبحانه وتعالى لا يريدها ولكنه قضاها وقدرها ]]

{ المسائل لإيضاح المسائل لمحي الدين ابن العربي}

اعلم ولي في الله تعالي:- إن من شروط الأدب مع الله تعالى في تغيير المنكر عدم الاعتراض علي الله تعالى في ملكه كما يقول العامة ده ميرضيش ربنا فهذا سوء أدب الواجب علينا أن نرضي بالقضاء فنعلم في قلوبنا أن كل ما يحدث مكتوب في علم الله ولا يحدث شئ رغما عنه ولكن لا نرضي بالمقضي اي نغيره لكن بحسن أدب

فرق شاسع بين الرضي بالقضاء وبين الرضي بالمقضي فمن فهم هذه القضية التوحيدية كان تعامله مع أهل المنكر والمعصية بأدب ومن لم يعلمها تعامل بسوء أدب مع عباد الله بلةقد يزداد الفساد والمنكر بسوء أدب من حاول التغيير وجعل النصيحة فضيحة

كما قال العارف بالله أبو الحسن الشاذلي ليكن الجمع في قلبك والفرق علي لسانك فهذا من دقائق التوحيد وأهل الكمال بعلم الله تعالى

الجمع معناه:-

أن كل ما يحدث من طاعة ومعصية وبلاء ونعماء ونقمة ونعمة ومنكر ومعروف وغيره بعلم الله وقضاء الله فلا يصيبك الحزن والهموم بل الرضي الكامل وهذا معني الحقيقة من وراء الشريعة

ومعني الفرق:-

إذا رأيت المعصية أو المنكر أو القتل أو البلاء أو غيره تحاول تغيره بحكم الشريعة لكن بأدب مع الله من خلال الأدب مع عباد الله

حكمة :-

حسن الأدب مع كل حال وفي كل حال يجلب الخير ويمنع الشر وسوء الأدب يمنع الخير ويجلب الشر

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .