حديث النبيﷺ عن معرفة الله تعالى ج١
المعرفة الإلهية و العقيدة

الوصول لمعرفة الله بلسان أهل الله ج١

روي عن حضرة النبيﷺ :

عن سالم بْنِ عبد الله عَنْ أبيه عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ - قال: تَفَكَّرُوا فِي آلاءِ اللَّهِ وَلا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ

وعن ابن عباس قالَ مَرَّ النبي ﷺ على قوم يَتَفَكَّرُونَ في الله فقال

تَفَكَّرُوا في الخلق ولا تَتَفَكَّرُوا في الخالق فإنكم لا تَقْدِرُونَهُ. ( أي أن تعرفوا قدره وعظمته )

وورد عن عبد الله بن سلام وابن عمر بنحوه

{ زقال السخاوي في المقاصد الحسنة بعد أن أورد حديث عبد الله بن سلام وحديث ابن عباس وحديث ابن عمر قال وأسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكتسب قوة والمعنى صحيح } .

                      * البيان * 

( الطلب هو التفكير في معرفة الذات الإلهية من حيث الصفات والأفعال لا التفكير في الذات لأنه لا يعلم ذاته إلا ذاته فمن خلال أفعال وصفات الحق يتعرف كل انسان الي معرفة ربه من حيث ما يتجلي به عليه ربه.

وحديث حضرة النبيﷺ:-

شمة من معرفة خير من كثير العمل

( أخرجه البخاري في التاريخ الكبير وأبو نعيم وابن عساكر )

وروي في الأثر :-

يا عبدي اذا لقيتني وانت لي عارف كتبت لك بعدد الأكوان حسنات

( تقريب الأصول للزيني دحلان )

فالمعرفة بينها أهل الله سبحانه وتعالى من العارفين به عز وجل

حيث يتم بيان ذلك من خلال الأجزاء الأربعة التالية في تسهيل الوصول لمعرفة الله تعالى. .

      * اقوال العارفين في المعرفة الإلهية* 

. قال الشيخ الزيني دحلان :-

[[ قال سبحانه وتعالى: ﷽

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ( الذاريات)

اللام في قوله تعالى ( لِيَعْبُدُونِ) ليست لام العلة والغرض ( اي أنه عز وجل لا ينتفع بطاعتك ولا تضره معصيتك لأن ذلك محال على الله تعالى )

وإنما هي لام العاقبة والغاية ( فالغرض من العبودية ثمرته معرفة الله عزّ وجل ) فإن استتباع أفعاله سبحانه وتعالى لغايات جليلة وحكم جميلة وهذا لا نزاع فيه قطعاً كيف لا فأفعاله سبحانه وتعالى رحمة منه تعالى وتفضّل على عباده . ودرة المعرفة تكمن في صدق العبودية لله تعالى

وقال بعضهم لم أخلقهم إلا لأجل العبادة باختيارهم لينالوا الشرف والكرامة عندي ولم أجبرهم عليها إذ لو اجبرتهم عليها لوجدت ذلك منهم وأنا غني عنهم وعن عبادتهم.

ومعرفته عز وجل تنقسم قسمين معرفة صفة جماله ومعرفة صفة جلاله ولكل واحدة منهما مظهر والعبودية مشتملة على المظهرين بالاستسلام لها والتمرد عنها

فمن انقاد لها بالتسليم والرضا كما أمر سبحانه وتعالى فهو مظهر صفات جماله ولطفه ( اي بالطاعة والرضي بما قسم في قضائه وقدره)

ومن تمرد عنها بالإباء والاستكبار فهو مظهر صفات جلاله وقهره ( اي بالمعصية واتباع الهوي أو الكفر عنادا واستكبارا). ]]

{ تقريب الأصول ص ٣٢, ٣٥ بتصرف يسير }

[[ قال الشيخ علي المرصفي:-

لا يجوز أن يقول انسان أنه لم يعرف خالقه بوجه من الوجوه لأن ذلك يؤدي إلى إدخال الأنبياء في الأوهام وإنهم جاؤوا بشرائعهم من حضرة لا يتحققون فيها أن ذلك الوحي من الله تعالى.

وقد قال تعالى ﷽ {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ )

فأخبر تعالى أنه إذا شاء خلع على بعض الخواص من عباده شيئاً من علمه فعرفوه تعالی به معرفة ثابتة بتعريفه تعالى لهم بنظرهم واستدلالهم. .

وقال الشيخ علي الخواص :-

[[ جميع الصفات ( أي جميع صفات المولي عز وجل من أسمائه الحسنى المعلومة وغير المعلومة ) التي وقع التنزل بها للعقول

ما جاءت إلا رحمة بالضعفاء من الأمة دون الأنبياء والاولياء وذلك لأنهم عرفوا ربهم بتعريف الله عز وجل وليس بالنظر في الآثار

فلا يشهد الأنبياء وكمل أتباعهم من هذه الصفات بباديء الرأي إلا التنزيه المطلق لله عز وجل الحدود والقيود ( من الجسمية والهيئة والزمان والمكان )

بخلاف غيرهم لا يخرجون عن شهود الحدود والتقييد في صفات الحق جل وعلا إلا بعد النظر والتأمل فإن لم يقع له تدقيق ونظر ( وبصيرة ) فربما مات العبد على سوء العقيدة من تجسيم أو تشبيه أو تعطيل لله تعالى

وإنما كان الخلق متفاوتين في درجات المعرفة لاختلاف الأمزجة وتفاوتها في رقة حجاب العبد وغلظته فلذلك يتعرف المولي سبحانه تعالى إلى كل عبد بوجه لا يشاركه فيه غيره .]]

{ ميزان العقائد الشعرانية ص ٢٠ ،٢٤ } .

وجـه مـالـه سـمت

عــــين مـالـهـا طـرف

ونطـق مـالـه حـرف

عـلم ما لـه صـحف

وقـرب مـالـه أيـن

بعـد مـا لـه خلف

{ من مواقف النفري د.مصطفى محمود كتاب رأيت الله} .

  • التجليات الإلهية ( آثار ورسول المعرفة لعباده ) *

قبل البدء عن التجليات فلابد أن تعرف معني حقيقة التوحيد قال العارف بالله الجنيد :

[[ التوحيد هو اليقين فقال له سائل بين ما هو ؟ فقال هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعل الله عز وجل وحده لا شريك له

فإذا فعلت ذلك فقد وحدته يشير إلى أن توحيد الذات إنما يكون من طريق الإيمان لا من طريق الشهود والله أعلم .]]

(ميزان العقائد الشعرانية ص١٤٣)

وقال الشيخ أحمد السرهندي:-

[[ أعلم أن الحق سبحانه ليس عين العالم ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ولا مع العالم ولا مفارقا عنه ولا محيطا به ولا ساريا فيه وأعلم أن الذوات والصفات كلها مخلوقة له تعالى

فليس صفات المخلوقات صفات له تعالى وأفعالها أفعاله سبحانه عز وجل بل أعلم أن المؤثر في الأفعال إنما هو قدرته تعالى لا تأثير القدرة لمخلوق .

                 * بيان وتوضيح * 

قال الله تعالى:. ﷽ ( ليس كَمِثْلِهِ شئ وهو السمِيع الْبصِير )

(لبس كَمِثْلِهِ شيء ) اثبات التنزيه المحض كما هو الظاهر اي لا يشبه أحد من الخلق لا في صفاته ولا أفعاله ولا ذاته

وقوله سبحانه و تعالى (وهوالسمِيع الْبصِير) متمم ومكمل للتنزيه اي لا يشبه خلقه صفاتا

وبيان لذلك قال الإمام :-

أن ثبوت السمع والبصر للمخلوق يجعل العبد في وهم أن الإله يماثله في السمع والبصر فنفى الله سبحانه وتعالى عنهم السمع والبصر لدفع هذا الوهم

يعني أن السميع والبصير هو الله تعالى فليس السمع والبصر في المخلوقات لهما دخل في السماع والرؤية

فكما ان الحق سبحانه خلق السمع والبصر كذلك يخلق السماع والرؤية بعد خلق هاتين الصفتين بطريق جرى العادة من غير تأثير لصفة السمع والبصر

ولو قلنا بالتأثير فالتأثير فيها أيضا مخلوق فكما أن ذواتهم جماد محض كذلك صفاتهم أيضا جماد محض.

وقد انكشف ( اي بالفتح الرباني والكشف الإلهي) أن استطاعة العبد في الفعل والترك تكون مع الفعل وأنه لا قدرة للعبد قبل الفعل بل تحصل القدرة مقارنة بالفعل والتكليف معتمد علي سلامة الأسباب والاعضاء كما قرره علماء أهل السنة

( أي ليس في الاعضاء مرض أو علة أو أن أسباب العمل ناقصة وهذا معني سلامة الأسباب والاعضاء ]]

{ المكتوبات الربانية مكتوب رقم ٨ ، ١٨ }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم . وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد . وعلى اله وصحبه أجمعين. .

والي الجزء الثاني تكملة باب المعرفة التالي : .