حديث النبيﷺ عن معرفة الله تعالى ج٢
المعرفة الإلهية و العقيدة

الوصول لمعرفة الله بلسان أهل الله ج ٢

وقال الشيخ محي الدين ابن العربي :-

[[ إنما أضاف المولي سبحانه وتعالى الأعمال إلينا لأننا محل الثواب والعقاب وهي لله حقيقة.

ولكن لما شهدنا الأعمال بارزة على أيدينا وادعيناها لنا أضافها تعالى إلينا بحسب دعوانا ابتلاء منه لأجل هذه الدعوى .

ثم إذا كشف الله تعالى عن بصيرتنا رأينا الأفعال كلها لله تعالى ولم تري إلا حسناً فهو تعالى فاعل فينا ما نحن العاملون.

ثم مع هذا المشهد العظيم لا بد من القيام بالأدب فما كان من شئ حسن شرعاً أضفناه إلي الله تعالى خلقاً وإلينا محلاً وظهورا وما كان من شئ سيىء أضفناه إلينا بإضافة الله تعالى ]]

{ الفتوحات المكية الباب رقم ٤٢٢ }

بناءا علي ما علمته سابقآ في الجزء الاول ومما سبق نأتي إلي بيان تجلي أفعاله وتجلي صفاته وتجلى ذاته سبحانه وتعالى والتجليات علي حسب حالة العبد هل انت في جمع أو فرق ولبيان ذلك كالتالي :-

[[ قال الشيخ أبو القاسم القشيري:-

التفرقة ( ما يسمي الفرق ) :-.

وهو شهود الأغيار ( أي كل شئ خلقه الله تعالى) في طاعة الله عز وجل وتظن أن كل شئ له فعله وقدرته بنفسه

والجمع :. هو شهود الأغيار بالله ( اي ليس بأنفسهم بل بالله عز وجل يفعلوا ويتركوا )

وجمع الجمع :

الاستهلاك بالكلية وفناء الإحساس بما سوى الله عزّ وجل عند غلبة الحقيقة ( علي العبد فتعتقد أنه أبله أو مجنون ولكن عقله مع ربه ولا يشعر بوجود أحد )

فالحاصل :-

أن من كانت أفعاله لله تعالى وشاهدها طاعة له تعالى فهو في التفرقة

ومن شاهد أفعاله جارية عليه فضلا من الله تعالى عليه فقد شاهدها بالله فهو في حالة الجمع

ومن غفل عنها وعن نفسه شغلا بالله فهو في جمع الجمع وهذا النوع الأخير ( جمع الجمع ) وهي حالة تسمي حالة السكر بالله عز وجل

فلا يدري صاحبه ما حوله لكنه يعود إليه التمييز بعد استغراقه إلى الصحو عند أوقات أداء الفريضة

وأيضاً حالة جمع الجمع تسمي الفناء في الله تعالي بحيث يزول احساس العبد كلية بنفسه أو بغيره مشغولا بربه كلية

ولنا شاهد ودليل علي مقام الفناء :-

عن النساء اللآتي رأين سيدنا يوسف علي نبينا وعليه الصلاة والسلام حيث قال تعالى:-

( فلما رأينه أكبرنه ) أي أعظمنه ( وقطعن أيديهن ) بالسكاكين حيث لم يجدن عند لقاء يوسف عليه السلام على البغتة ألم قطع الأيدي وهن أضعف الناس عن تحمله

وقلن ( ما هذا بشرا) ولقد كان بشراً وقلن ( إن هذا إلا ملك كريم ) لما حواه من الحسن الذي لا يكون عادة في البشر ولم يكن ملكاً .

فهذه غفلة مخلوق عن أحواله عند لقاء مخلوق آخر برؤية بعض من الكمال والجمال فما ظنك بمن تكاشف بشهود الحق سبحانه المنزه الأشياء والأمثال المنفرد والمتفرد بصفات الكمال والجلال فلو غفل عن إحساسه وأبناء جنسه فأي عجب في ذلك ]]

{ احكام الدلالة على الرسالة ج١ ص ٢٧٩ بتصرف يسير }

فتجلي الصفات والافعال يسمي الجمع .

وتجلي الذات يسمي جمع الجمع .

لكن المعرفة بالجمع وجمع الجمع من غير ذوق وتربية علي يد ولي عارف بربه فهي خطر كبير ولقد نبه علي ذلك الإمام الجزائري حيث قال) :-

[[ وقال الشيخ عبد القادر الجزائري أيضا :-

في قوله تعالى:-﷽ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. ( سورة ال عمران ۱۸۸ )

اعلم أن هذه الآية قرئت ( ولا يحسـبن ) بالياء أي لا يظن الذين يفرحون بما صدر منهم من الطاعات والعبادات ظاهراً وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس عليها ويعظمونهم وهذا رياء وشرك .

وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا يستحقون به الحمد والثناء وإنما الفاعل بهم هو الله تعالى فإنهم محل ظهور فعله واستعداداتهم اقتضت هذا الشرك.

فخلق ( الله تعالي فيهم الفعل ) في صورهم ( ومع ) هذا الشرك ( الخفي ) فإنهم يرجون الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال تعالى ( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب )

إلا أن يعفوا الله تعالى عنهم فإنهم تحت المشيئة الإلهية المجهولة للخلق وهذا شأن غالب العباد والزهاد الجهلاء أصحاب المساجد والمحراب والذي يعبد الله بنفسه ما عبده ولا أعطى الحقيقة حقها.

فلابد على العبد من أن يـتحـضر في ذهنه ونفسه أثناء الشروع في العبادة أو العمل بأن الفاعل هو الله والعـببد محل ظهور الفعل

وأما الطائفة التي كشف الله تعالى عنها الحجاب وسقاها لذيذ الشراب فإنها لا تغتر بنسبة الفعل إليها من الله تعالى بعد علمها بحقيقة الأمر

فقد وصلوا بفنائهم إلي رؤية الأفعال وشهـود مجربها ( بأنها من الله تعالى وليست من أنفسهم ) فعبدوا الله على الوجه الذي يرضي الله عزّ وجل

فهؤلاء هم العبيد العباد على الحقيقة فالآية فيها ما ذكرناه من الإشارات وكل ما أعطى الله عن تعالى من أعطى من عبيده من الفهم في كتابه تعالى فهو مراده له هداه به او أضله ]]

{ المواقف الروحية للجزائري الموقف رقم ٣٣٤}

. [[ وقال شيخ الإسلام الإمام الباجوري:-

والفعل فى التأثير ليس الا

للواحد القهار جل وعلا

ومن يقل بالطبع أو بالعلة

فذاك كفر عند أهل الملة

ومن يقل بالقوة المودعة

فذاك بدعى فلا تلتفت .

أمثلة توضيحيه لكلام الإمام الباجوري:-

قال العارف بالله علي الخواص بيانا وتوضيغلقول الإمام الباجوري عند شرحه لبعض آيات الله تعالى :-

[[ قال تعالى : ﷽ { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ }

ما هي صورة إضافة القتل إلى الله مع إضافته إلى العمل ؟ فقال رضي الله عنه:

صورته أن المقتول حين ضرب بالسيف مثلاً انتهى أجله فقبل القتل بها فيه من استعداد الموت كما قبلت الشجرة المقطوعة بالفأس أو قطع من القاطع حين كانت مستعدة للقطع ،.

وكما أن القطع بإذن الله كما صرح به في قوله تعالى : {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ( سورة الحشر ) }

فكذلك القتل هو بإذن الله وإيضاح ذلك :

أن الإذن هو الأمر الإلهي أمر بعض الشجرة أن يقوم فقامت وأمر بعضها أن تقطع فانقطعت بإذن الله لا بقطع النجار فافهم .

مثال اخر:-

ونظير ذلك في الحياة قوله تعالى : ﷽ { فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ }

لأن النفخ من عيسى ما دخل في جسم الطائر إلا بعد استعداد الحياة في الطائر فقبل الحياة بالنفخ .

مثال اخر :-

روي عن حضرة النبيﷺ اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك »

اعلم أن الأولى بمنصب النبوة أن يكون المراد بشفاء الله تعالى هو استعمال الأدوية التي فيها الشفاء فإن كل مزيل للمرض فهو شفاء الله الذي أودعه في ذلك المزيل وفي هذا إثبات للأسباب أيضا وردها كلها إلى الله تعالى .

وسبب قوله ﷺ ( لا شفاء إلا شفاؤك )

هو نفي الوهم أن يكون الشفاء من غير الله بالوقوف مع العقاقير ومع الحكماء الذين يعالجون المريض

فأرشدك النبي ﷺ أن ترجع إلى الله تعالي في دفع كل شيء يؤلمك لأن الله سبحانه وتعالى قال [ بيده ملكوت كل شيء ]]

{ الجواهر والدرر للشعراني } .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم . وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد . وعلى اله وصحبه أجمعين. . والي الجزء الثالث في تكملة باب المعرفة التالي : .