حديث النبيﷺ قل آمنت بالله ثم استقم
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبيﷺ

ورد عن أبي عمرو وقيل عن أبي عمرة سفيان بن عبد الله قال قُلْتُ يا رسول اللَّه ( ﷺ )

قُلْ لي فِي الاسلام قَوْلًا لا أَسْأَلُ عنه أَحَدًا بعدك قال قُلْ آمَنْتُ بالله ثُمَّ استقم { أخرجه مسلم }

  • البيان *

قوله آمَنْتُ اي ايمان حقيقي لا مجازي بأنه الإله الواحد لا موجود ولا خالق غيره وأن كل شئ في الوجود مهما صغر أو عظم قائم به وبقدرته وارداته حتي افعالك واقوالك وعلمك وكيانك قائم به عز وجل فليس لك من الأمر شيء

فلا فاعل سواه ولا موجود سواه فإذا آمنت بذلك استقامت حياتك بالله لا بنفسك فلا عطاء ولا منع ولا نفع ولا ضر ولا قدر إلا بإذنه وفعله

وليس للخلق والمخلوقات في الفعل بالنفع والضر والجلب والخير وغير ذلك شئ

فقوله ﷺ قُلْ آمَنْتُ بالله ثُمَّ استقم هو حقيقة التوحيد ومعرفة الإله الواحد سبحانه وتعالى حتي تعمل وتعيش

لكن لا تلتفت الي غيره ولا تنشغل بسواه ما دمت قد علمت أنك بربك لا بنفسك تستقم حياتك .

  * اقوال العارفين في ذلك* 
  • قال أرسلان الدمشقي

إذا عرفته ( عز وجل ) كانت أنفاسك به وحركاتك له وإذا جهلته كانت حركاتك لك . اذا جئته بلا أنت قبلك وان جئته بك حجبك

كلما اجتنبت هواك قوي ايمانك

وكلما اجتنبت ذاتك قوي توحيدك .

  • وقال نجم الدين كبري :-

الاستقامة أربعة أنواع :-

١- إستقامة العوام في الظاهر بالأوامر والنواهي ( التي أمرنا بها المشرع ) وفي الباطن بالإيمان والتصديق.

٢- واستقامة الخواص في الظاهر بالتجريد عن الدنيا وترك زينتها أو شهواتها ( بأن تكون في أيديهم وليس في قلوبهم ) وفي الباطن بالتفريد ( اي تفرد القلب بطلب واحد وهو الله وليس جنة أو ثواب أو غير ذلك ) من نعيم الجنة بل شوقاً إلى لقاء الرحمن عز وجل وطلب

٣- واستقامة الأخص في الظاهر برعاية حقوق المتابعة على وفق المبايعة بتسليم النفس والمال ( اي يعطي كل ذي حق حقه دون بخل أو خوف رزق وفقر )

وفي الباطن بالتوحيد في استهلاك الناسوتية ليستقم بالله مع الله فانياً عن الأنانية باقياً بالهوية بلا طلب من المحبوب مكتفياً من عطائه ببقائه ومن مقتضى جوده بدوام فنائه في وجوده

( أي نسيان ذاتك ونفسك فليس لك اهتمام واعتماد علي عمل وعبادة وغير ذلك قامعا للشهوات مكتفيا بأن تكون عبدا لله فقط بلا طلب أو نتيجة قناعة كاملة وإيمان محض بفضل الله تعالى مكتفياً بشرف العبودية لله الواحد الأحد)

{ تفسير سورة فصلت لنجم الدين كبري } .

  • وقال علي نور الدين البيومي:-

قول النبيﷺ قُلْ آمَنْتُ بالله ثُمَّ استقم

أي استقم على التوحيد الكامل وهو غاية الاستقامة ونهايتها، فمن لم يكن لذلك ضاع سعيه وخاب جده، فإن شهدت شيئًا سوى الله تعالى فأنت مشرك في توحيدك

لأن التوحيد لا عبارة عنه ولا إشارة إليه إذ كل ما دخل فلك العبارة وتحت إيماء الإشارة فهو شيء وكلما ألقيت شيئية مع الحق فهو مزيل للتوحيد من حيث ذلك الشيء

فاحفظ نفسك مع القوة عن الوقوف مع شيء سوى الله تعالى تفوز منه بالمدد لأنك إن قلت ( الله ) موقنا كون الله عزّ وجل لك حاجتك وأعطاك طلبك دون تأخير

لأنه ( روي عن حضرة النبيﷺ أنه ) قال :-

أذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب

{ أخرجه ابن عساکر عن عطاء بن أبي مسلم }

(!فقوله ﷺ عون لك على ما تطلب ) فهو من العارف بمنزلة ( كن ) لأن الله تعالى قال { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ دَرهم فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }

فرؤية ما سوى الله خوض ولعب وهما أي: الخوض صفات الكافرين والمنافقين قال المولي عز وجل مخبرا عنهم

﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ﴾

وقال تعالى { بَلْ هُمْ فِي شَكٍ يَلْعَبُونَ﴾

فمن اطلع عليه فرأه مشغولاً بغيره أعرض عنه وإن أفردته أفردك وطلبك كل شيء وبلغت ما تريد لأن النبي ﷺ قال ( سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ) أي من أفرد قلبه لله فهو أحد أعلامه في أرضه

( وأعلم أن ) حدث الباطن هو كل ما حجبك عن دخول حضرة الحق تعالى ومشاهدته ومنعك لذة مناجاته ومسامرته مثل طلب المقامات والكرامات والأحوال وخرق العادة والمعرفة والقُرب والحب ..الخ

فإن طلب ذلك كله من بقايا النفس وحظوظ شهوانية أو جبت الميل إلى هذه الصفات المذكورة والوقوف لها فكل ما هو من أثر الكون فالطلب له حدث

وكمال التطهير من ذلك كله هو الغيبة في الله تعالى والفناء به عما سواه كما أن التوحيد نسيانك أنت في حضورك معه

ولا تبلغ كمال التطهير حتى لم يبق منك بقية من نفسك ولا وحسك فإن ركنت إلى غيره فقد أشركت به تعالى فإن كنت في حالة فلا تختر غيرها أعلى منها ولا أدنى لأن الشرك أن تختار مع ربك شيئا

قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِالله ) حسبك يقرون بأنه الخالق الرازق ( إِلا وَهُم مُّشْرِكُونَ) به تعالى بعبادة الأوثان

أو المراد بالشرك شراكة العقل مع الإيمان بآيات الصفات ونحوها من المتشابه فإن العقل لا يعقلها بمفرده

أو أن أكثر الناس يشركون مع الله تعالى بالوقوف مع الأسباب بخلاف من يرى الأسباب طريقا ولا يقف معها فإن ذلك ليس بشرك.

فإياك أن تكون للمعرفة مدعيًا أو بالعباد متعلقا وفر من كل شيء إلى ربك لأن كل مُدَّع محجوب بدعواه عن شهود الحق

فراقب الله تعالى في خطراتك وهي علم القلب بنظر الله إليه فتغرق في بحر التوحيد وتغيب عن كل ما سواه ولا ترى في الوجود إلا الله تعالى فلا تشغل إلا به ولا تقبل إلا عليه فإن حصل لك حصل لك كل شيء، وإن فاتك فاتك كل شيء

فلا تشتغل بغير مولاك عز وجل واعقد القلب على طلب الرب واترك الممالك واركب المهالك ألا ترى إلى احترق الفراش في نار الشمعة كأن حياته في احتراقه هذا مع صغر شأنه وصغر مطلوبه يتلف نفسه في محبوبه.

وأنت مع كمالك وكمال محبوبك تتوقف في بذل نفسك ومحو وجودك.

فاخرج عن هواك وإرادتك وعنك لأنك إن خرجت عن الخلق وصلت إلى الحق وهو العلم بأنه لا خالق سواه

فرؤية وجودك واستقلالك في الحركات والسكنات والخطرات والإرادات وادعاء ذلك لنفسك مع من اوجدك ( ربك عز وجل ) فذلك من الشرك ويبعدك عن معرفة ربك سبحانه وتعالى

فإذا زال ذلك الأمر ( من شهود نفسك وحسك ووجودك ) فقد رجعت إلى معرفة ربك عز وجل.

لأنه ( روي عن حضرة النبيﷺ أنه ) قال : -

شَمَّةٌ مِنْ معرفة خير مِنْ كثير العمل

{ البخاري في التاريخ وحلية الأولياء وابن عساكر }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين.

   * المراجع * 
  • حديث ( سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ) أخرجه مسلم وأحمد في المسند والطبراني في الأوسط

  • التاريخ الكبير للبخاري وحلية الأولياء لأبو نعيم وتاريخ دمشق لابن عساکر

  • رسالة الفردانية للعارف بالله علي نور الدين البيومي ( بتصرف يسير)

  • رسائل العارف بالله ارسلان الدمشقي

  • التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي للعارف بالله أحمد بن عمر المشهور بنجم الدين الكبرى تفسير سوره فصلت آية ٣٠