حديث النبيﷺ لا يدخل أحدكم الجنة بعمله ج١
المعرفة الإلهية و العقيدة

حديث النبيﷺ لا يدخل أحدكم الجنة بعمله ج١

روي عن حضرة النبيﷺ  

لن يُدْخِلَ أَحَدًا عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال لا ولاَ أنا إِلَّا أن يَتَغَمَّدَنِي الله بفضل ورحمته فَسَدِّدُوا وقاربوا .

( البخاري ومسلم عن عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) .

  • البيان *

الحديث لا يتعارض مع مع النص القرآني بأن العمل سبب لدخول الجنة كقوله تعالى:

﷽ ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  )

والأمر بالاجتهاد مطلوب كما قال تعالى:-

﷽ { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ( سورة العنكبوت)

فالعمل سبب لكن ليس هناك عمل لا يخلو من النقص من جهة ومن جهة أخري أن التوفيق والمعونة من ربك فما عليك إلا العمل والاعتماد علي فضل الله تعالى ورحمته

ولا تعتقد أنك تستحق الثواب والجنة بالعمل لأن الذي هداك للإسلام ووفقك للعمل واعطاك القوة والمعونة ربك فكيف تطلب جزاء عمل ليس لك فيه من الأمر شيء .

  • أقوال العارفين في ذلك*

قال ذو النون المصري:-

من علامات الإخلاص أن تنسى رؤية أعمالك ولا تهتم بالثواب قط في الآخرة على ذلك العمل.

وقال أبي الحسن الصائغ:-

المعرفة رؤية المنة من الله تعالى عليك في كل الأحوال والعجز عن أداء شكر النعم من كل الوجوه والتبري من الحول والقوة في كل شيء

{ تذكرة الأولياء ترجمة الإمام}

وقال أبو بكر الواسطي:-

العبودية ألا تعتمد وتركن إلي الحركة والسكون وكلما زالت هاتان الصفتان عنك فقد بلغت حق العبودية

( اي اعمل وتعبد بشرط الاعتماد على الله عز وجل وليس علي عملك ولا تكن من أولئك القوم الذين يقابلون نعمة الله تعالى بالطاعات ولكن كن ابن الأزل لا ابن العمل

{ تذكرة الأولياء للعطار } . وقال أبو الحسن الخرقاني:-

لا أقول إنه لا ينبغى عليك العمل بل عليك العمل ( من عبادة وسعي في الدنيا ) لكن عليك أن تعلم

هل أنت الذى تفعل ما تفعله أم أنه يفعل بك ؟ تلك هي التجارة التي يتاجر فيها العبد بواسطة الحق فسوقك رابح بربك لا بنفسك   { تذكرة الأولياء للعطار } .

*  الإشارة الثانية :-

قال عبد الغني النابلسي:-

الثواب على الطاعة والإيمان في حق أهل الإسلام ودخول الجنة إنما هو بفضل الله تعالى ليس جزاء أعمالهم ولو كان جزاءا لأعمالهم لما قال النبي ﷺ ذلك

والحديث لا يتعارض ولا يناقض قوله تعالى

﷽ {أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾ وبيان ذلك :-  

أما الآية فحرف الباء هنا في قوله تعالي ( بما كنتم ) للملابسة والمصاحبة أي ادخلوا الجنة بمصاحبة ما كنتم تعملون من محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق أي بآثار جميع ذلك الظاهر عليكم في صوركم ونفوسكم .

وأما الباء في قوله ﷺ ( بعمله) فهي باء الاستعانة على دخولها بعمله أو بسبب عمله لأن الأعمال إنما هي أعراض يلبسها الله تعالى لمن شاء من عباده

فيحليه بها حلية يصلح بها لدخول الجنة ويلبس بها الكافرين والمنافقين والفاسقين حللا بأعمالهم تليق بهم أن يدخلوا النار وهم لابسون لها .

{الكشف والبيان للنابلسي ص ٢١ }

وقال أبو العباس المرسي :-

في الإشارات عن الله سبحانه وتعالى :-

لا تركنن إلى شيء دوننا فإنه وبال عليك وقاتل لك

فإن ركنت إلى العلم تتبعناه عليك وإن أويت إلى العمل رددناه إليك وإن وثقت بالحال وقفناك معه

وإن آنست بالوجد استدرجناك فيه وإن لحظت إلى الخلق وكلناك إليهم وإذ اعتززت بالمعرفة نكرناها عليك

فأي حيلة لك وأي قوة معك فارضنا لك رباً حتى نرضاك لنا عبداً    { تقريب الأصول للزيني دحلان ص ٣٨٨ } . .

  • الإشارة الثالثة :-

قال إبن عطاء الله السكندري:_

لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها برزت من الله إليك وقل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون   {الحكم العطائية الحكمة رقم ٥٨ }

من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل.

فقال العارف بالله ابن عجيبة الحسني:-

في شرح الحكمة السابقة التي تبين ما يشير إليه الحديث أن الاعتماد على الشيء هو الاستناد عليه والركون إليه والعمل حركة الجسم أو القلب

فإن تحركت بما يوافق الشريعة سمي طاعة وإن تحركت بما يخالف الشريعة سمي معصية .

فالاعتماد على النفوس من علامة الشقاء والبؤس والاعتماد على الأعمال من عدم التحقق بزوالها والاعتماد على الله من تحقق المعرفة بالله عز وجل

وعلامة الاعتماد على الله أنه لا ينقص رجاؤك إذا وقعت في المعصية ولا يزيد رجاؤك إذا صدر منك إحسان .

أو تقول :

لا يعظم خوفك إذا صدرت منك غفلة كما لا يزيد رجاؤك إذا وقعت منك يقظة فقد استوى خوفك ورجاؤك على الدوام

لأن خوفك ناشيء عن شهود الجلال ورجاؤك ناشيء عن شهود الجمال وجلال الحق وجماله لا يتغيران بزيادة ولا نقصان فكذلك ما ينشأ عنهما .

بخلاف المعتمد على الأعمال إذا قل عمله قل رجاؤه وإذا كثر عمله كثر رجاؤه لشركه مع ربه     { إيقاظ الهمم  } .

وقال إبراهيم الدسوقي:-

لا يكمل الرجلُ في مقام العرفان حتى يفرّ من قلبه وسره وعمله ووهمه وفكره ، وعن كل ما يخطر بباله غير ربِّهِ .

ومن نظر إلى أقواله وأفعاله بعين الإعجاب فهو محجوب عن مقام التوحيد ولا يُزف الوليُّ إلى ربِّه حتى يترك الوقوف مع كل ما سواه من مقام أو حال

{ الطبقات للشعراني }

والي الجزء الثاني من بيان الحديث:- .