حديث النبيﷺ لو أنكم تتوكلون علي الله
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبيﷺ لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطيرَ تغدوا خماصًا وتروح بطانًا . (أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد ).

البيان :- حق التوكل إعتماد قلبك وصدق اليقين بأنه هو وحده الرزاق وليس الخلق أو الأسباب بدليل أن الطير مهما بلغ من ذكاء فلا يملك ذكائك ودهائك فهو بذلك أضعف منك قوة ومكر وحيلة ولكن اعتماده علي المولي عز وجل أكثر منك فكن مثله فاعتمد علي ربك مثله يقينا بأنه لا رازق أحد سواه .

             * اقوال العارفين في ذلك*

قال عبد القادر الجزائري:- الناس مخطئون في التعلق بالأسباب على أنها تؤثر بصورها المحسوسة ويقولون هذا سبب قوي وهذا سبب ضعيف. ويعتقدون أن المسببات ما وجدت إلا بها من حيث صورها وهذا هو الذي أضل الخلق عن طريق الهدى والعلم وحجيهم عن الوجه الخاص الذي له سبحانه وتعالى في كل كائن؛

فالأسباب والعادات هو الفاعل بها ما يشاء وما يسمونه سببا قد لا يكون سببا وربما الأمان مثلا كان سببا لضد المقصود منه. وإنما يكون سببا ( له تأثير بأن يخلق المولي عز وجل) السببية فيه والمشاهدة واضحة بهذا. فإننا نرى شخصين متفقين في السن والطبيعة والبلد والمعيشة يمرضان بمرض واحد فيحكم الطبيب بأن دواءهما واحد، لاتفاقهما في الأمور المؤثرة في الطبيعة، فيسقيهما الدواء، فيشفي زيد ويموت عمرو. فهذا دليل أن الله سبحانه وتعالى جعل السببية في هذا الدواء لزيد فكان شفاءا له ولم يجعل فيه السببية لشفاء عمرو.

فأثبت الأسباب من حيث أثبتها الحق ـ تعالى ـ امتثالا للأمر واتباعا للحكمة ولا تعتمد عليها وشاهد وجه الحق فيها ( بأنها لا تنفعل إلا بإذنه ).

أثبت الأسباب وجودا وغيب نظرك عنها شهودا معني هذه الحكمة :- لا بد من الأسباب وجودا ( وهو التوكل والسعي ) والغيبة عنها شهودا ( بأن يعتمد قلبك علي ربك لا علي الأسباب فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل )

[[ قال العارف بالله إسماعيل بن نجيد :- المتوكل هو الذي يرضى بحكم الله تعالى فيه ( بنقص أو زيادة في رزق أو بلاء ). وأقل درجة في التوكل أدناه حسن الظن بالله تعالى ( بانه لا ينساك وأنه يعطيك ما ينفعك علي قدر حالك ويمنعك ما يضرك لانه اعلم منك بحالك ومآلك) ]]

{ المختار من مناقب الأخيار ج١ ص ٤١١ }

[[ سأل رجل أبا عبد الله بن سالم:- فقيل له : أنحن متعبدون بالكسب أم بالتوكل؟ فقال : التوكل حال رسول الله ﷺ، والكسب سنته . وإنما الكسب سنتة لمن ضعف عن حال التوكل، وسقط عن درجة الكمال التي هي حاله. فمن أطاق التوكل فالكسب غير مباح له بحال إلا كسب معاونة لا كسب اعتماد. ومن ضعف عن حال التوكل التي هي حال رسول الله ﷺ أبيح له طلب المعاش في الكسب لئلا يسقط عن درجة سنته حيث سقط عن درجة حاله ]]

{طبقات الصوفية/ حلية الأولياء ج١٠ }

وقالوا :- إذا وثقت بضمانه فيما وعدك وقسمة الله تعالى لك وسكن سرك لله وحده فإنك بذلك علي درجة كبيرة من درجات العارفين .

{ قال أبو القاسم المقرئ :- في قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ٭ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [سورة الطلاق] قال المقرئ :- يجعل له مخرجا من شبهات الدنيا وعند الموت وفي مواقف يوم القيامة ويرزقه من حيث يرجو ومن حيث لا يرجو ومن حيث يأمل ومن حيث لايأمل { المختار من مناقب الأخيار ج٤ }

[[وقال العارف بالله أبو الحسن البوشنجي :- الإيمان أن تأكل مما تجده أمامك وتمضغ اللقمة وأنت مرتاح القلب والتوكل أن تعلم أن ما لك لن يفوتك ]] { مقامات الشيخ أبو سعيد ص ٢٣١ }

   *قصة عن صدق التوكل مع الصبر *

[[ قال محمد بن خفيف:- دخلت بغداد قاصدا إلى الحج وفي رأسي نخوة الصوفية ( التوكل علي الله) ولم أكل الخبز أربعين يوما وخرجت ولم أشرب الماء وكنت على طهارتي

فرأيت غزالا على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشان فلما اقتربت من البئر هرب الغزال وإذا الماء. أسفل البئر فقلت يا سيدي( يناجي ربه) مالي مكانة مثل هذا الغزال

فسمعت من خلفي صوتا يقول جربناك فلم تصبر ارجع وخذ الماء فرجعت فإذا البئر ملأى فملأت ركوتي وكنت أشرب منها وأتطهر إلى المدينة.

ولما شربت سمعت هاتما يقول: إن الغزال وتوكل علينا بلا ركوة ولا حبل وأنت جئت بالركوة والحبل ( اي توكلت واعتمدت بهما) فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما رآني شيخي الامام الجنيد قال لي لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت صبر ساعة ]]

{ مختصر تاریخ دمشق ج٢٢/، طبقات السبكي ج٢ بتصرف لتيسير المعني }

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .