حديث النبي عن ترك أسباب الرزق
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

إذا سبب الله لأحدكم رزقا من وجه فلا يدعه حتى يتغير له، أو يتنكر له

[ أخرجه ابن ماجه والبيهقي ]

  • أقوال العارفين في ذلك  :-

  • قال علي بن باراس الكندي :-

حيث أقامك مولاك في أمر من عمل أو علم أو عبادة أو غير ذلك ولم يكن للشرع فيه اعتراض فالواجب عليك الرضي بعلم الله تعالى دون علمك

لان ربك عالم من كل الوجوه ومحيط بكل الوجود وانت جاهل من كل الوجوه فكن ابن وقتك ولا تطلب غير ما أقامك فيه سيدك ومولاك ومربيك رب العالمين إن كان مرضيا

( شفاء السقم لابن باراس الكندي ) .

  • وقال عبد الرؤوف المناوي  ؛-

شأن الصادِقينَ لا يخرجون من حال حتَّى يُخرِجَهُمُ الحق سبحانه وتعالى منه

فليس الشَّانُ أن تترك الاسباب بل أَنْ يَتْرُكُكَ السبب وترك السبب لك هو  عدم استقامته لك وتعذره أو تعشره عند طلبه

وعلامة عدم ترك الأسباب هو  حصول ثمرته ونتيجته من سهولة وسلامة دين وقلة طمع وحُسن نية في صلة رحم وإعانة محتاج وإنقاذ محترم وغير ذلك من الفوائد.

فَإِذَا أَقَامَكَ الحَقُّ في حالة لا تُنكر شرعًا فلا تُرِيدْ (  ولا تبحث عن )  غَيْرَها قطعًا لأن الإرادة لله تعالى لا للعَبْدِ

فَلا نتيحة لإرادة العبد مع مراد الرب عز وجل لأن أفعاله سبحانه وتعالى على مقتضى الحكمة . فلا تغفل عن سر حكمته فيما أقامك فيه

فإن فعلت فقد حصلت على الراحة وقمت بأدب العبودية بين يدي الربوبية وسلكت الصراط المستقيم فلا تحب تأخير ما فعل ولا تعجيل ما أخر وتلك هي الحياة الطيبة

فإن أردت مراحمة ذوي الأقدار فارضي بمجاري الأقدار وبهذا الشهود يستوي عِنْدَك القَبْضُ والبَسْطُ والخفض والرفع والعز والذل والغنى والفقر ونحو ذلك

فالتأدب بأدب الوقت يطرد عنك المقت

(  الدرر الجوهرية للمناوي  ) .

  • وقال ابن عجيبة الحسني من باب الإشارة   :-

( الوجه الاول )  :-

تجريد الظاهر هو ترك الأسباب الدنيوية وخرق العوائد الجسمانية والتجريد الباطني هو ترك العلائق النفسانية والعوائق الوهمية وتجريدهما معاً هو ترك العلائق الباطنية والعوائد الجسمانية

أو تقول تجريد الظاهر هو ترك كل ما يشغل الجوارح عن طاعة الله وتجريد الباطن هو ترك كل ما يشغل القلب عن الحضور مع الله وتجريدهما هو أفراد القلب والقالب لله

ومن آداب المتسبب إقامته فيما أقامه الحق تعالى فيه من فعل الأسباب حتى يكون الحق تعالى هو الذي ينقله منها

فإرادتك التجريد مع إقامة الله تعالى لك في الأسباب فهذا من الشهوة الخفية لأن النفس قد تقصد بذلك الراحة ولم يكن لها من اليقين ما تحمل به مشاق الفاقة والعمل

فإذا نزلت بها الفاقة تزلزلت واضطربت ورجعت إلى الأسباب فيكون أقبح لها من الإقامة فيها فهذا وجه كونها شهوة

وإنما كانت خفية لأنها في الظاهر أظهرت الإنقطاع والتبتل وهو مقام شريف وحال منيف لكنها في الباطن أخفت حظها من قصد الراحة أو الكرامة أو الولاية أو غير ذلك

وغاب عنك  أيضاً الأدب مع الحق حيث أردت الخروج بنفسك ولم تصبر حتى يؤذن لك

وعلامة إقامتك في الأسباب دوامها لك مع حصول النتائج وعدم العوائق القاطعة له عن الدين وحصول الكفاية بحيث أذا تركتها حصل لك التشوف إلى الخلق والإهتمام بالرزق

فإذا عدمت هذه الشروط إنتقلت إلى التجريد قال في التنوير والذي يقتضيه الحق منك أن تمكث حيث أقامك حتى يكون الحق تعالى هو الذي يتولى أخراجك كما تولى إدخالك

فليس الشأن أن تترك السبب بل الشأن أن يتركك السبب

( الوجه الثاني  ) :-

من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله تعالى في نفسه أو في غيره فقد جمع الجهل كله ولم يترك منه شيئاً حيث عارض القدر ونازع القادر وقد قال تعالى إن ربك فعال لما يريد

وقال سيدنا  عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما :-

لأن الحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلى من أن أقول لشيء كان ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان

وقال العارف بالله أبو عثمان رضي الله عنه منذ أربعين سنة ما أقامني الله تعالى في حال فكرهته ولا نقلني إلي غيره فسخطته

ومن تأمل الأحاديث النبوية وجدها على هذا المنوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان سيد العارفين وقدوة المربين فكان يقر الناس على ما أقامهم الله في حكمتهم

ويرغبهم فيها فلذلك تجد ظاهر الأحاديث متعارضة ولا تعارض في الحقيقة

فإذا نظرت في أحاديث الذكر قلت لا أفضل منه وإذا نظرت في أحاديث الجهاد قلت لا أفضل منه وإذا نظرت في بر الوالدين قلت لا أفضل منه

وإذا نظرت في أحاديث فضل العلم قلت لا أفضل منه وإذا نظرت في أحاديث الزهد والتجريد من أسباب الدنيا قلت لا أفضل منه

وإذا نظرت في أحاديث الكسب والخدمة على العيال قلت لا أفضل منه ف( كل ميسر لما خلق له )

فكل حكمة رغب فيها حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فتقول فيها لا أفضل منها تطييباً لخاطر أهلها ليكونوا فيها على بينة من ربهم ولم يأمرهم عليه السلام بالإنتقال عنها

لأن مراد ألله عز وجل منهم هو تلك الحكمة فأقرهم عليه السلام عليها ورغبهم فيها حتى يظن من يسمع أحاديثها أنه لا أفضل منها وهو كذلك إذ لا أفضل منها في حق أهلها. ( شرح الحكم لإبن عجيبه   ) .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

  • المراجع  : -

  • سنن إبن ماجة وشعب الايمان للبيهقي

  • الدرر الجوهرية شرح الحكم العطائية لعبد الرؤف المناوي شرح الحكمة رقم ٢ و ١٧ لابن عطاء الله السكندري طبعة كشيدة

  • التنوير في إسقاط التدبير لإبن عطاء الله السكندري

  • شرح الحكم العطائية لإبن عجيبه الحسني  الحكمة رقم   ٢ و ١٧  لإبن عطاء الله السكندري طبعة العلمية

  • شفاء السقم وفتح خزائن الكلم في معاني الحكم لإبن باراس الكندي شرح الحكمة ١٧ لإبن عطاء الله السكندري طبعة دار الحاوي .