حديث النبي ﷺ عن ورثة الأنبياء ج١
باب العلم وفضله

حديث النبي ﷺ عن ورثة الأنبياء ج١

روي عن حضرة النبيﷺ :-

إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا إنما وَرَّثوا علمًا

[ أخرجه الترمذي عن أبي الدرداء ]

أقوال العارفين في ذلك:-

قال العارف بالله محي الدين ابن العربي:-

[[ الوارث الكامل هو من جمع ميراث الأقوال والأفعال والأحوال ( عن رسول الله ﷺ )

والوارث الكامل من الأولياء هو من انقطع إلى الله بشريعة رسول الله ﷺ إلى أن فتح الله له في قلبه في فهم ما أنزل الله عز وجل على نبيه ورسوله ﷺ

بتجل إلهي في باطنه فرزقه الفهم في كتابه عز وجل، وجعله من المحدثين في هذه الأمة، فقام له هذا مقام الملك الذي جاء إلى رسول الله ﷺ

ثم رده إلى الخلق فيرشدهم إلى صلاح قلوبهم مع الله سبحانه وتعالى ويبين لهم مقاصد الشرع

وما ثبت من الأحكام عن رسول الله ﷺ وما لم يثبت باعلام من الله ( عن طريق الإلهام ) وأتاه رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما

كما قال تعالى ﷽. { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ( سورة الكهف)}

الإشارة الثانية:-

إعلم أن الورث على نوعين معنوي ومحسوس

أ- الورث المحسوس :-

منه ما يتعلق بالألفاظ والأفعال وما يظهر من الأحوال فأما الأفعال بأن ينظر الوارث إلى ما كان رسول اللّه ﷺ يفعله مما أبيح للوارث أن يفعله اقتداء به وليس مما هو مختص بالنبي عليه السلام

( فيتبعه ) في نفسه ومع ربه وفي عشرته لأهله وولده وقرابته وأصحابه وجميع العالم ويتبع الوارث ذلك كله في الأخبار المروية عن رسول اللّه ﷺ الموضحة لما كان عليه في أفعاله فيأتيها كلها على حد وردت لا يزيد عليها ولا ينقص منها

وإن اختلف فيها الروايات فليعمل بكل رواية وقتاً لهذه ووقتاً لهذه ولو مرة واحدة ويدوم على الرواية التي تثبت ولا يخل بما روى من ذلك وإن لم يثبت من جهة الطريق فلا يبالي إلا أن تعلق بتحليل أو تحريم فيغلب الحرمة في حق نفسه فهو أولى به

ب- وأما الورث المعنوي :-

فهو مما يتعلق بباطن الأحوال من تطهير النفس من مذام الأخلاق وتحليتها بمكارم الأخلاق وما كان عليه صلى اللّه عليه وسلم من ذكر ربه على كل أحيانه وليس إلا الحضور والمراقبة لآثاره سبحانه في قلبك وفي العالم

فلا يقع في عينك ولا يحصل في سمعك ولا يتعلق قوة من قواك إلا ولك في ذلك نظر واعتبار إلهي تعلم موقع الحكمة الإلهية في ذلك فهكذا كان حال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما روت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها

الفتوحات المكية الباب ٣٨٠ بتصرف يسير جدا )

واعلم أن من رحمة الله بخلقه، أن جعل على قدم كل نبي وليا وارثا له. فلا بد أن يكون في كل عصر ١٢٤ ألف ولي على عدد الأنبياء، ويزيدون ولا ينقصون

والعلوم المنزلة على قلوب الأنبياء لا ترتفع من الدنيا وليس لها إلا قلوب الرجال فتقسم عليهم بحسب عددهم.

واعلم أن الله عبادا أخفياء أصفياء أولياء بينهم وبين الناس حجاب العوائد غامضين في الناس يحفظ الله تعالي بهم العالم

( الفتوحات المكية لإبن العربي الباب رقم ٣٤٩ ) .

الإشارة الثالثة-

أشار المولي عز وجل الي نوعية وحال هؤلاء الورثة الذين اصطافاهم الله تعالى لخلقه .فميز المولي عز وجل ثلاثة أنواع من الخلق اصطفاهم لخلقه

فقال عز وجل ﷽ .

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( سورة فاطر ) }

فقال محي الدين ابن العربي:-

[[ قال النبي ﷺ العلماء ورثة الأنبياء وإن من علامات صدق المريد في ارادته فراره عن الخلق ومن علامات صدق فراره عن الخلق وجوده للحق وعلامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق

وهذا هو حال الوارث للنبي ﷺ فإنه كان يخلو بغار حراء ينقطع إلى الله فيه ويترك بيته وأهله ويفر إلى ربه حتى فجأه الحق ثم بعثه الله رسولا مرشدا إلى عباده،

فهذه حالات ثلاث ورثه فيها من اعتنى الله به من أمته ومثل هذا يسمى وارثا فالوارث الكامل من ورثه علما وعملا وحالا.

الظالم لنفسه :-

فأما قوله تعالى في الوارث للمصطفى أنه ظالم لنفسه يريد حال أبي الدرداء وأمثاله من الرجال الذين ظلموا أنفسهم لأنفسهم أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في الآخرة..

المقتصد :-

أما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد، وهو الذي يعطي نفسه حقها من راحة الدنيا ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها .

في قيامه بين الراحة وأعمال البر وهو حال بين حالين بين العزيمة والرخصة ففي قيام الليل المقتصد متهجدا لأنه يقوم وينام وعلى مثل هذا تجري أفعاله

السابق بالخيرات :-

وأما السابق بالخيرات فهو المبادر إلى الأمر قبل دخول وقته ليكون على أهبة واستعداد كالمتوضى قبل دخول الوقت والجالس في المسجد قبل دخول وقت الصلاة

{ الفتوحات المكية}

وإلي الجزء الثاني من بيان الحديث:-