حديث النبي. ﷺ عن عبد الدينار وعبد الله
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي عن حضرة النبي ﷺ

تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة

( أخرجه البخاري وابن ماجه وابن حبان )

البيان:-

حذرنا حضرة النبي ﷺ بطريق العبارة والإشارة أن كل شيء امتلكته واحببته صرت عبدا له وقد امتلكك فخرجت عن العبودية الحقة لله تعالي

لأن من أحب شيء فقد صارا عبدا له لأنه هواه ومبتغاه.
قال تعالى ﷽ ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ )

فالشهوات والملذات عقبات وحجاب عن ربك وما دمت عبدا لها بطلبها وحبها فإن طريق الحزن والهموم والنكد والقلق أصبح حالك لأنك ابتعدت بحبك لها وعبوديتك لها عن حب وعبودية رب الممالك

فالعبد الحقيقي من كان عبدا لربه وملكا له وجعل الدنيا في يده لا في قلبه فإن كان حالك كذلك فالرضي والسكينة والصبر أصبح حالك وردائك قال أبو بكر الشبلي من عرف ربه لا يحزن .

  • أقوال العارفين في ذلك:-

  • قال العارف بالله أرسلان الدمشقي :-

يا أسير الشهوات والعبادات ويا أسير المقامات والمكاشفات أنت مغرور أنت مشتغل بك عنه

أين الاشتغال به ( عز وجل ) عنك وهو عز وجل حاضر ناظر؟ وهو معكم أينما كنتم في الدنيا وفي الآخرة فإذا كنت معه حجبك عنك وإذا كنت معك استعبدك له

  • قال العارف بالله مصطفى كمال الشريف الشاذلي:-

شارحا لهذا الكلام :-

يا أسير النفس فأنت محب لشهواتها من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسؤمة والأنعام والحرث فكونك أسيرًا للشهوات كونك أسيرًا لنفسك

وكونك أسيرًا لنفسك كونك أسيرًا للدنيا أي: عبدا للدراهم والدينار والخميصة فتدخل حينئذ تحت قول النبي ﷺ تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة

فهذه سبع عقبات فلا تنجو من أسر حب الدنيا حتى تقطعها أي حتى تخرجها من قلبك فلا تذكرها أصلاً

وأما وجودها في يدك فلا يضرك إذا تصرفت فيها تصرف خازن أمين يقبض بأمر سيده ويدفع بأمر سيده ويعطي بأمره ويمنع بأمره

(فعلامة اتباع هواك أن تكون) أسيرًا لنفسك من حيث حيوانيتها وحظها الجسماني وأسير لها من حيث عقلها المعاشي وحظها الشيطاني.

فهذه الدركة لها عقبتان: الخلق، والأسباب فما دمت مرتبطا بذلك فلن تنجو من هوة المهالك ولازمك الخوف والهم والغم وإتعاب الفكر بالتدبير والسعي والاضطراب والقلق

فاعلم يقينا أن الحاكم في الخلق وفي الأسباب هو الله تعالى وتيقن نفوذ سلطان أمره فيهم

ولا تتحرك لقضاء حوائجك فيك وبك بل في الله وبالله أي: جهادًا في طاعة الله وبحوله وقوته لا في طاعة نفسك وحولك وتدبيرك وقوتك

والتجأ لربك التجاء المضروب للضارب لا للعصا وتنبهت لنفسك بأنك أنت أيضًا من جملة الخلق الذي ينبغي الخروج عنه وهو هوي النفس

( فإذا لم تكن متعلقا ولا محبا ولا اسيرا للدنيا ولا حتي العبادات والأعمال الصالحة بأن تتخذها وسيلة لطلبك الدنيوي والآخروي من ثواب وجنة ومقام في الآخرة

بل عبدا لله فقط فأنت من أهل الكمال وأهل العبودية الخالصة لله أي عبدا لله وحده لا عبد شهوة وزينة ولا عبد ثواب أو خوف عقاب )

فاستحي أن تنظر لسواه بعين السوى بل بعين الحق عز وجل أي إنك تنظر للخلق والأسباب أنها فعله وحكمه وأمره ظاهرها وباطنها كثيفها ولطيفها

فتكون مع ربك دائما بالموافقة ( فلا تشغلك النعمة عن المنعم ولا البلوي عن مجريها عليك باللجوء إليه ولا الطاعات والأعمال عن الذي وفقك لها بشهود منته وفضله لا عملك ولا قوتك

فلا تريد مرادا قط ولا يكون لك غرض ولا حاجة بل يجري فعل الله فيك فتكون أنت إرادة الله وفعله كما أنت في نفس الأمر وتكون ساكن الجوارح مطمئن الجنان

منشرح الصدر منور الوجه عامر القلب فتنال مكرمة ربك عزوجل حيث قال

﷽ ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ).

وأما إذا لم تعلم وتفهم ما ذكر لك سابقا فأنت مع نفسك أي عقلك وعلمك وتدبيرك وحولك وقوتك فيستعبدك

أي: يطالبك بما تطالب به أجراء السوء وعبيد السوء من إكمال العمل وإتقانه من حيث الأركان ويقام عليك الميزان وتكون رهين لقوله ﷻ :

﷽.  ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ )

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وضلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى آله وصحبه أجمعين

  • المراجع:-

  • صحيح البخاري وابن حبان وابن ماجه

  • رسائل العارف بالله أرسلان الدمشقي

  • التعليقات الكمالية على الرسالة الأرسلانية للعارف بالله مصطفى كمال الشاذلي ( بتصرف يسير )

  • الطبقات لعبد الوهاب الشعراني ترجمة أبو بكر الشبلي .