حقيقة التصوف وسلوكه
حقائق التصوف

  • حقيقة التصوف وسلوكه *

[[ ورد في تعريف التصوف مئات المعاني وهى فى الحقيقة إذا جمعت معاً ، كانت تعريفاً للتصوف ، فكل عارف بالله عرف التصوف بما غلبه عليه حاله أو مقامه، ويمكن تلخيص ذلك فى القول :-

التصوف هو اتباع الكتاب والسنة حبا وشوقاً وتولهاً بالله ورسوله لا لأجل غرض أيا كان هذا الغرض فالغرض فى التصوف مرض فيؤدى العبد آداب العبودية وخدمة الربوبية ويرى أنه قائم بالله فإذا رأى أنه أدى العبادات بنفسه سقط على أم رأسه .

وسلوك الطريق صعب وشاق يقول العارفين :- ( الله عظيم ، وطالب الله عظيم فتعبه عظيم وراحته عظيمة )

والبداية والنهاية في اتباع الكتاب والسنة والاستمرار على ذكر الله بعد انجاز العمل الدنيوى الذي يتكسب السالك منه لقمة العيش بكد يده وتفريغ القلب من جميع الخواطر وعدم الوقوف مع أي شئ من ظلمات كانت أو أنوار .

واتباع شيخ عارف كامل متمكن مأذون بالتربية وهو أهم أركان الطريق وبدونه لا معرفة ولا وصول وتعبد السالك تعظيماً لله تعالى لا يريد وصولاً ولا قرباً ولا راحة ولا فتحا بل يعبد الله الله بالله

فإذا تراءى لك شى فى المنام أو اليقظة لا تركن إليه ولا تنتظر وقوعه فذلك قاطع كبير فى الطريق

يقول سيدنا رسلان الدمشقى :-

{ من عبدنا به له طردناه ومن عبدنا به لنا أعميناه ومن عبدنا بنا لنا بصرناه وهذه الحكمة خلاصة السلوك .}

ومن شأن المريد ( السالك في طريق معرفة الله) الذل والمسكنة على باب الله والذكر هو العمدة في الطريق وكما يقول الإمام القشيري في رسالته :

الذكر منشور الولاية ويتدرج المريد في السلوك شيئاً فشيئا ، ويتدراكه الله تعالى بالجذب من وقت لآخر .

ولا بد من الجذبات للسالك فالمجاهدة وحدها لا تكفى وعليه أن بصبر على الابتلاء من مرض وفقر، وأذى الخلق له من قريب وبعيد فلا بد للمريد من ذلك حتى يصطفيه الله إن كان من أهل العناية ، والمدار كله على السابقة الأزلية والعناية الربانية .

وأجمل صفات المريد الذل والمسكنة ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) . ومن استشعر العز والغنى فليس من أصحاب الصدقات ، ونعنى بالصدقات النفحات الإلنهية والمعارف اللدنية التى لا يدخلها شك أو ريب.

       * أهمية العارف المربي * 

وإذا سلك المريد على يد شيخ كامل ولم يحدث له أدنى ترقى فلا يتزلزل بل يصبر ، لا بد منه سواء في الدنيا أو الآخرة ، كما قال بذلك الشعراني في قواعد الصوفية

وإذا قادتك المقادير إلى شيخ غير مأذون بالإرشاد من أستاذه أو من الله ورسوله فليعتبر ذلك محنة وابتلاء وبصدقه وإخلاص نيته يعرفه الله عن قريب بمن يأخذ بيده

فإذا تأكد له أن الشيخ من المدعين الكاذبين ، فعليه بتركه وما أكثر المتمشيخين الجهلة بالتسليك وبالاداب الأولية بالطريق في هذا الزمان

ولا يغتر المريد بما يظهر على أيدى الشيوخ من خوارق العادات، بأن يخبره بأمر غيبي أو يشفيه من مرض، أو يطرد عنه عارض من الجن أو غير ذلك،

فهذه الخوارق تحدث لاصحاب الرياضات النفسية فى كل ملة ودين حتى الكفار ، كما صرح بذلك أغلب العارفين منهم الأمير عبد القادر في كتاب المواقف ( وعبد العزيز الدباغ في الابريز والشعراني في الطبقات )

. وأكبر الكرامة هى الاستقامة ( كما قال الإمام أبو الحسن الشاذلي ) واتباع الكتاب والسنة والتحلي بمكارم الاخلاق ووظيفة الشيخ تعريف المريد بالله ، وتقويمه على الكتاب والسنة إذا لم يحصل المريد ذلك فلعدم صدقه أو عدم تمكن الشيخ من ذلك

  • التصوف أخلاق وسلوك وليس عربدة ومجون *

على المريد السالك أن يبتعد عن الشيخ الجاهل بالطريق يقول شيخنا الإمام محمد زكي إبراهيم :

ليس التصوف رقص الراقصين

ولا طبل وزمر وصخب وتهيج

ولا هو الذكر بالألفاظ ساذجة

محرفات ولا صعق وتشنيج

ولا مواكب رايات ملونة فيها

لما يغضب الديان ترويج

هو الكتاب وما جاء النبي به

وكل شيء سوى هذا فممجوج

(الخ القصيدة )

      * قراءه كتب التصوف * 

أما ما يختص بكتب التصوف التي وضعها العارفون أصحاب المقامات العالية فقراءتها لا بد أن تكون تحت إشراف الشيخ المربي أو أخ صالح سالك وسادتنا العارفين لم يضعوا هذه الكتب من باب البحث والتفكير والتأليف بل أغلب كلامهم فتوحات إلهية أثبتوها بإذن إلهى لإرشاد عباد الله

وهى رسائل لأصحابهم ومريديهم فقد يفقد المريد شيخه لظروف طارئة ويكون في حال أو مقام لا يعرف أدبه مع ربه يصل إلى مرتبة الأخذ عن الله والأرواح القدسية فينفعه الكتاب في هذه الحالة

وكتب الصوفية ليست للتثقيف وجمع المعارف دون ذوق وتحقيق ، كما هو شأن المؤلفات الأخرى بل هي علاج للمريد تقومه إذا فقد الطبيب ولا يمكن بأي حال الاكتفاء بها في السلوك بل لابد من الشيخ

وكل سالك لم يصل إلى مقام فى معراجه الروحى عليه أن يترك قراءته فإذا قرأءه فمن باب التشويق ورفع الهمة ومعرفة النقص في حاله

وإلا فخطر القراءة في هذا المقام الذى لم يبلغ السالك الوصول إليه محتوم وقوعه لأن للنفس والشيطان تلبيسات وأوهام ، فيكتسب السالك من القراءة حال معنوی خیالی ولیس لذة الاطلاع

فيجرفه الهوى إلى القاع ويظن أنه من أهل المقامات ( والدرجات الروحية العالية ) وينتقل إلى غيره وهكذا وهو ( في حقيقة الحال ) واقف ( مع نفسه ) لم يبرح مقام النفس اللوامة وربما حقيقة ( لم يبرح من تأثير ) النفس الأمارة .

وأغلب الإرشادات والعلوم الخاصة بالسلوك تؤخذ مشافهة من صدور الأولياء والاجتماع بهم، لأنهم يعرفون علة المريد.

ولو طالع المريد كل كتب التصوف لم تزل علته بل ربما تعظم وتتضخم وتهلكه دون أن يدرى

ومن هنا حذر سادتنا من قراءة بعض كتب التصوف التى ترمى إلى مقامات ومعارف بعيدة عن إدراك المريد فيضل بها أكثر من أن يهتدى

مثل تحذيرهم من قراءة الفتوحات المكية لابن عربی، ومؤلفات ابن سبعين والإنسان الكامل للجيلي وأشعار ابن الفارض ، ومواقف النفرى ومخاطباته ، وأمثال هذه الكتب التي تفيض بالفتح الإلهى والعلم اللدنى والحقائق والتلويحات والإشارات

وهذه الكتب تفيد السالك الذى تخلص من شهوات نفسه وأماتها وأتقن مقام الذل والانكسار والتواضع ولاحت له بعض بوارق الفتح حتي وإن كانت قليلة

أما كتب السلوك التي تعين وتنفع على المجاهدة وتطهير النفس ومعرفة عيوبها أمثال الإحياء للغزالى والرسالة القشيرى ، والوصايا لابن عربي وغير ذلك فلا ضرر في مطالعتها والعمل بما فيها حتى يصل المريد إلى مقام الإخلاص

ويتبع القرآن والسنة بنية مستقيمة وقلب سليم ، كما كان حال الصحابة مني من كونهم على الفطرة وصدق الحال ، فلم يحتاجوا إلى هذه الكتب ولذلك لم توضع في زمانهم ]]

{ المفاخر في معارف الأمير عبد القادر د.كمال الجزار بتصرف يسير مع العفو والمعذرة لذلك }