خواطر في قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله
المعرفة الإلهية و العقيدة

خواطر قال الحق سبحانه وتعالى فأينما تولوا فثم وجه الله

علامة حب الله لك وحبك له وأنك تراه في كل شئ ومع كل شئ أن لا يكون بينك وبين ربك علاقة مقيدة بل علاقة مطلقة.

العلاقة المقيدة زمان ومكان وأشخاص وهيئة معينة لكن التقييد هنا صفتك لا صفته عز وجل فهو سبحانه منزه عن المكان والزمان والحدث والجسمية والتعدد . فالمكان: مثل المساجد كلها في ارض الله والبيت الحرام ومسجد حضرة النبيﷺ والمسجد الأقصى

والزمان : كالصلوات الخمس وصلاة الليل وشهر رمضان والليالي المباركة في السنة المعلومة كليلة القدر والعيد وغيرها وأشخاص كالاولياء ومقامتهم والموجودين منهم والعلماء المخلصين ودور العلم

وهيئة معينة : شكلية صورية تثاب عليها لكن ليست اصلا من أصول الدين لأنها صورة وهيئة لكنها ليست ركن ولا أساس من أركان الإسلام الخمس ولا ركن من التوحيد ولا المعرفة الإلهية كالجلباب مثلا واللحية والبنطلون القصير والنقاب فهو غير مفروض وغير مرفوض لكن الهيئة مرفوضة إذا كانت النية الرياء من إظهار كونك رجل صالح أو امرأة تقية لأن ربك رب قلوب لا قوالب والخفاء في حالك مع ربك في هذا الزمان مطلوب لأن الإخلاص أصبح كالذهب كما قال العارفين الظهور يقصم الظهور

أما العلاقة المطلقة:- فالمعرفة والحب الالهي لك ومنك هو أن يكون فيك علاقة مطلقة لا مقيدة فقط وهو عين الكمال لأن تري ربك في صنعته من انسان وحيوان ونبات وجماد وكل شي ملموس تري الله فيه فتكون معه بعلاقة فوق الذوق الرفيع الأخلاقي مثل

فالعلاقة المطلقة مثل بسمتك في وجه الناس عبادة حتي وان كان مسيحي أو كان علي اي دين مهما كان وفي الأقارب عبادة ودرجة

الكلمة الطيبة مع الخلق عبادة خدمة الغريب والقريب عبادة عونك المحتاج ومن عليه دين أو فك كربته عبادة

البسمة والنظرة الممتلئة بالحب والعطف والحنان للام والاب والزوجة والزوج واليتيم والسائل حتي وان لم تعطيه فابتسم له واعتذر بأدب كل ذلك عبادة

العطف علي الحيوان في الطريق بشربة ماء او طعام أو إزاحة الاذي عنه عبادة

تحملك القسوة من القريب والصديق والجار والزوج والزوجة عبادة لأنك تري الله في صنعته ومن رضي به عبدا فارضي به أخا وزوجا وصاحبا حتي وان أساء إليك فتلك عبادة

صبر الام والزوج والاخ علي ابنه وابنته وأخيه عند صعوبة أخلاقه أو عند المرض عبادة

قيام الام والاب ليلا فيجد أولاده عرايا علي فراشهم فييضع عليهم ما يغطيهم عبادة بل مجاهدة كما قال العارفين

وضع اللقمة من فمك لفم زوجتك او ابنتك عبادة نابعة عن رحمة مثل البحور وشفقة مثل سيل من الأمطار لا نهاية له أيضا عبادة

سعيك لخدمة الناس وقضاء حوائج الناس من غريب او قريب فتدخل الفرحة قلبه عبادة

حزنك والهموم علي ما يحدث للناس من قتل أو غرق أو حروب أو ضيق المعيشة حتي وان كانوا غير مسلمين عبادة لأنهم عباده وليسوا عبادك والذي شاء لك الإيمان لا يعجز أن يهديهم إليه

عدم غضبك في كل أمر تافه وعدم رفع صوتك في قليل وكثير إلا في حق عبادة لانك تعلم أنك في حضرته دائما في كل مكان وزمان وأنه ينظر إليك والي ما تفعل وانت في حضرته فتلك عبادة الأدب القائم علي الحياء من نظرة ربك لك

نومك هل وضوء وذكر وتستيقظ علي ذكر. تلك عبادة لأنك تراه وتحت أسر حكمه إما أن تموت أو ينعم عليك بالحياة فتذكره قال النفري في المخاطبات نم وانت تراني أتوفاك وانت تراني استيقظ وانت تراني احشرك وانت تراني

رحمتك بالحيوان خاصة الصغير من نمل وهوام علي قدر الاستطاعة عبادة جاء سيدنا الامام احمد الرفاعي يرتدي عباءة له فوجد قطة نائمة عليها فقطع العباءة من حولها حتي لا يفزعها وارتدي العباءة مقطوعة فلما قامت من نومها خيط الثوب ولبسه تلك عبادة قائمة علي الرحمة

وقوفك للصلاة عند دخول المسجد بأدب وليس بجري وسعي حتي تلحق الإمام بل تقف وقبل أن تكبر تعتذر وتستحي من ربك أن تقف بين يدي مولاك ملوث بمعصية وذنب من قول او فعل عبادة ليس لها وزن لأنها قائمة علي الحياء والخجل منه

عندما تمرض فيفرح قلبك وتتوجه بقلبك له بانك راض بفعله وتسأله المعونة والصبر وإن يعاملك بفضله لا بعدله ثم تأخذ بأسباب العلاج. ولا تخبر أحدا مهما كان إلا إذا علم لحالتك أما اذا سالك ولا يعلم فقل الحمد لله ولا تذكر شيئا عبادة تنال بها درجات ومقاما عند ربك وحبه لك حينئذ لا تصل إليها بصلاة وصيام سبعين سنة لأن ترضي وتحب بما يحب وبما يريد وعلمت أنه الفاعل لذلك ولأن اول شي صدر من قلبك هو التوجه إليه قبل الخلق والأخذ بالأسباب

زيارتك لامك وأبيك وصاحبك ومن تحب بعد موته وتدعوا له عند قبره وبعد صلاتك عبادة لأنك تشهد ربك المحي المميت فتري أثر ذلك في خلقه وفيك ولو بعد حين

عندما تأكل وتتذكر الجائع والمحتاج الذي يستطيع أن يأكل مثلك بسبب غلو الاسعار وحزنك علي نفسك أن تأكل ما لاياكله غيرك عبادة

تعمل وتصبر علي الحلال خوفا من الحرام ولا تأكل بدينك من أجل دنياك عبادة كما قال العارفين كل من حلال وصل فرضك ولا تحزن ولا تهتم بقيام الليل وصيام النهار ما دمت لا تستطيع فالاكل من حلال اول باب أو طريق الي معرفة ربك وأنه معك وتستحي أن تأخذ رزقه من وجه لا يرضيه تلك عبادة غالية الثمن لأن الهوي والنفس والشهوة وإبليس أعداء بأسلحة قوية ولا يستطيع أن يحاربهم بالحلال إلا من عرف ربه وشهده في كل شئ وتلك علامة حبه لك

لا يفعل أحد العبادة المقيدة والمطلقة التي ذكرتها لكم إلا عبد أحبه الله ورأي ربه في كل حركة وسكون في كل شئ وقبل وبعد كل شئ فأنت بذلك مراقب لنظر ربك اليك من فعل وقول وخاطر وهمس . ( فأينما تولوا فثم وجه الله )

لأنك بكل تلك الأفعال تقول بقلبك :- رب حاضر موجود وكون غائب غير موجود وموجود صورة والفاعل فيه وبه رب الوجود

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين