روي في الخبر يا دنيا أخدمي من خدمني واتعبي من خدمك
المعرفة الإلهية و العقيدة

روي في الخبر عن جعفر الصادق :-

يا دنيا أخدمي من خدمني واتعبي من خدمك

{ وذكره الشهاب ج٢ بإسناده الي النبي ﷺ }

           * حكمة  الحديث * 

يقول الله عز وجل في بعض كتبه المنزلة :

يا عبدي لو سقتُ إليك ذخائر الكون فنظرت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا

    * اقوال العارفين في ذلك * 

.

  • قال ابن عطاء الله السكندري:-

اجتهادك فيما ضَمِنَ لك وتقصيرُكَ فيما طَلَبَ منك دليل على انْطماسِ البصيرة منْكَ

الإجتهاد في الشيء إستفراغ الجهد والطاقة في طلبه.

فإذا أراد الله فتح بصيرتك أشغلك في الظاهر بخدمته وفي الباطن بمحبته ( اي جسدك مع الخلق وقلبك مع خالق الخلق )

وإذا أراد الله خذلان عبده أشغلك في الظاهر بخدمة الكون بما فيه ( مال وأهل وولد وزوجة وتجارة ...الخ ) وفي الباطن شغلك بمحبتها فلا تزال كذلك حتى ينطمس نور بصيرتك

  • وقال أبو المواهب الشاذلي:-

لا تطلب الأكوان فإنها ما خلقت بالإصالة إلا لك وأنت خلقت لربك

فإن طلبت ما خلق لك وتركت ما أنت مطلوب له انعكس بك السير وإن أقبلت على ربك طلبتك الأكوان بنفسها وخدمك كل شيء فافهم .

  • وقال أحد العارفين الخلق نوعان :-

النوع الأول:

من يعتقد أن الخلق بيدهم كل شئ أصبح ذليلا لهم فيزداد طمعك فيهم فتخشي الناس من حاكم ومحكوم عندئذ يسلط عليك الدنيا فتهمل حق ربك

وإن اديت حقوق ربك اديتها جسد بلا روح لأن قلبك تعلق بالناس ومن تعلق بالناس في نفع وضر او زيادة ونقصان فهو أقرب إلي الافلاس من أعمال خالصة ولا تجد للراحة مكان ولا للطمأنينة في قلبك حال

فإذا ارتفعت أسعار المعيشة أو نزل بك بلاء أو مصيبة أو حرمان من عزيز حينئذ تصيبك الهموم والخوف علي الأهل والولد وتخشي بطش الناس لأنك أصبحت ذليلا لهم.

النوع الثاني:-

وهو من كان ذليلا لله عزيزا بربه وعلي يقين كامل بذلك بغير شك فإن كل ما يحدث في الوجود من نعم ونقم رخاء وبلاء امان وحرمان ضر ونفع وعطاء كله مكتوب وبيد الله عز وجل فلن تهتز وتضطرب لحظة

لأنك علي يقين كامل بأنه لا يجري في ملكه صغير او كبير حتي ورقة الشجر لا تحركها الرياح في الهواء ولا علي صفحات الماء إلا بإذنه وعلمه وارداة الله جل جلاله

فإن كنت كذلك فأنت عزيزا بالله لا تهتز جوانحك ولا ترتعد فرائصك وقلبك ساكن وراض بكل شئ

وتلك علامات الثقة واليقين بالله وأن الدنيا رغما عنها تكون خادمة لك بخلاف النوع الأول وهذا أمر مجرب صحيح.

كما روي في الخبر :-

اشتكي الناس لأحد الصالحين غلاء سعر اللحوم من ماشية وداجن فقال لهم باللغة العامية ( وأنا مالي ) أمرني بالعبادة ووعدني بالرزق

فكيف انشغل بما وعدني ووعده حق وصدق واترك ما أمرني به وطمنني بوعد الرزق أنه له ومنه

فعلي العبد السعي وعليه السعة فعلي العبد العبادة وعلي الرب الرزق فسكنت قلوب الناس بقوله .

  • وقال علي وفا الشاذلي :-

متى شغل الإنسان قلبه بالأكوان عن ربه الرحمن ذل وهان وذلك لأنه جعل نفسه عبد عبده ومن شغل قلبه بالرحمن أصبح عزيزا

لأنه رد نفسه إلى غايته ومجده . كما روي في الخبر :- خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلى فلا تنشغل بما خلق لك عما خلقت من أجله

(مثل توضيحي لقول الإمام كما قال ) :-

ألا ترى أن الرجل الكبير القدر ( الجاه عند الناس ) من أمير أو وزير متى شغل نفسه بحب امرأة يتزوجها أو بهيمة يخدمها امتهنته القلوب بعقولها وإن عظموه في الظاهر رغباً أو رهبا .

والرجل ولو كان فقيرا محتاج متى شغل قلبه بربه الحق عظمته القلوب بعقولها وإن أعرضت عنه لهوا أو تكبراً فافهم

  • وقال عبد القادر الجزائري:-

ورد في بعض الأحاديث الربانية أن المولي سبحانه وتعالى تعالى يقول :

( يا دنيا من خدمك فاتعبيه ومن خدمني فاتبعيـه )

وليس المراد أمر الدنيا بالإعراض وعدم اقبالها على من خدمها بل المراد فاتعبيه أي اقبلي عليه بوجهك وعائقيه وانبسطى له وتوسعى حتى يتعب ويتعذب بسبب اقبالك عليه

لأن انبساط الدنيا واقبالها على من خدمهـا ورغب فيها عقوبة من الله لخادم الدنيا قال المولي عز وجل :

﷽ { فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }

( فإذا كانت الآية تتعلق بأهل الشرك لكن أهل علم الأصول قالوا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل من تعلق بشئ صار عبدا له بغض النظر عن ديانته ولونه وعلمه وجنسه .) .

  • وأما قوله عز وجل من خدمني فـاتبـعيـه :-

فهو أمر من الله تعالى للدنيـا بأن تكون خلف من خدم الله تعالى فلا تواجهه ولا تقبل عليه ولاتنبسط له لئلا تشغله عن خدمته تعالى فإن الدنيـا شاغلة عن خدمة الله تعالى إلا من رحم ربك

( لأن كل قاعدة لها استثناء فافعل ربك مطلقة غير مقيدة لانه إله مطلق عن الحدود والقيود والصفات فافهم

فهناك قلة من لم تشغلهم دنياهم عن مولاهم وقليل ما هم مثل سيدنا سليمان عليه السلام لم يشغله ملكه عن مولاه وذي القرنين .

وكذلك الكمل من الأولياء من الصحابة والتابعين والعارفين من بعدهم مثل سيدنا عثمان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد فقيه مصر

وغيرهم الذين كانت الدنيـا في أيديهـم لا في قلوبهم وفي ظاهرهم لا في باطنهم ) فقد تصرفوا فيها تصرف المستخلف المالك ولا نشك أنهم أخذو الدنيـا بحـق وأخرجوها بحق لوجه الله الحق جلا وعلا

  • وقال علي الجمل:-

مهما تركت الأمور لمولاها يتصرف فيها كما يشاء يردها المولي عز وجل إليك ويمكنك من زمامها وأمرها فتكون عند أمرك ونهيك تتصرف فيها بمشيئتك حتى لا يكون منها إلا ما تريد.

ومهما تعرضت للأمور وأردتها أن تكون عند أمرك ونهيك يردك مولاك إليها ويمكنها من زمامك.

( فلولا رفضك وعنادك) لكانت الأمور خديمة لك مملوكة لك ولكنك صرت أنت خادماً ومملوكاً لها فتفعل بك ما أرادت وفرق شاسع بين المالك والمملوك.

( اي لا تحاول تغير ما قدره الله لك بأي وسيلة أو أي مكر وحيلة لأن ذلك مخالفة لمراد ربك واقبل الأمور والاحوال علي ما هي عليه

حتي وإن كان على خلاف هواك واطلب منه عز وجل المعونة والتوفيق فيجعل كل شئ طوع امرك لحسن ادبك مع مراد ربك )

فسبب عبوديتك للوجود هو حب عبودية الوجود إليك وأنت والوجود عبيد لله وسبب عبودية الوجود إليك هو عبوديتك لله

إما أن تملك الوجود بعبوديتك لله أو أن يملكك الوجود فتكون عبدا للوجود وليس لله رب العالمين

  • قال أبو معاوية الأسود:-

من كانت الدنيا أكبر همه طال في يوم القيامة غمه

. والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم . وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين

  * المراجع * 
  • مسند الشهاب
  • المواقف الروحية للعارف بالله عبد القادر الجزائري الموقف رقم ٣٤٤
  • الطبقات للعارف بالله عبد الوهاب الشعراني ترجمة اعلي وفا الشاذلي وأبو المواهب الشاذلي
  • اليواقيت الحسان للعارف بالله علي الجمل ص٣٤
  • الكواكب الدرية للمناوي ترجمة أبو معاوية الأسود
  • إيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية للعارف بالله ابن عجيبة الحسني .