حديث النبيﷺ التدبيرُ نِصْفُ العيشِ
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ التدبيرُ نِصْفُ العيشِ ، والتَّوَدُّدُ نِصْفُ العقلِ ، والهَمُّ نِصْفُ الهَرَمِ ، وقِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ رواه القضاعي في الشهاب

قال العارف بالله إبن عطاء الله السكندري:- التدبير للدنيا على قسمين : تدبير الدنيا للدنيا ، وتدبير الدنيا للآخرة

فأما تدبير الدنيا للدنيا :-

هو أن تدبر في أسباب جمعها افتخارا بها واستكبارا ، وكلما زيد فيها شيء ازداد العبد غفلة واغترارا . وأمارة ذلك أن يشغله عن الموافقة وتؤديه إلى المخالفة .

وتدبير الدنيا للآخرة:-

كمن يدبر المتاجر ليأكل منها حلالًا ، أو لينعم على ذوي الفاقة إفضالًا ، أو ليصون بها وجهه عن الناس إجمالا . وأمارة ذلك عدم الاستكثار والادخار والإيثار .

فقد تبين من هذا أن ليس كل طالب للدنيا مذموما بل المذموم من طلبها لنفسه لا لربه و لدنياه لا لآخرته فالناس بذلك على قسمين عبد طلب الدنيا للدنيا ، وعبد طلب الدنيا للآخرة .

وقال العارف بالله أبا العباس المرسي :- العارف لا دنيا له ولا آخرة ؛ لأن دنياه لآخرته ، وآخرته لربه .

وعلى هذا تفهم [ أحوال الصحابة من والسلف الصالح فكل ما دخلوا فيه من أسباب الدنيا دخلوها بالله متقربون وإلى رضاه متسببون ) لا قاصدون بذلك الدنيا وزينتها ووجود لذتها . ولهذا وصفهم الحق سبح تعالى :

  • محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا . فدل ذلك من قوله سبحانه أنهم [ ما ] ابتغوا مما حملوه الدنيا ولم يقصدوا بذلك إلا وجه الله الكريم .

.وما ظنك بقوم اختارهم الله لصحبة رسوله ﷺ ولمواجهة خطابه في تنزيله فما أحد من المؤمنين إلى يوم القيامة إلا وللصحابة في عنقه منن لا تحصى وأياد لا تنسى لأنهم هم الذين حملوا إلينا عن النبي ﷺ الحكم والأحكام وبينوا لنا الحلال والحرام وفهموا الخاص والعام وفتحوا الأقاليم والبلاد ، وقهروا أهل الشرك والعناد .

وبحق ما قال ﷺ فيهم : « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتدیتم اهتديتم »

وقال سبحانه في آية أخرى :- في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه بسيخ له فيها بالغدو والآصال الرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله . ولم ينف عنهم الأسباب ولا التجارة ولا البيع ولا الشراء ، فلا يخرجهم الغني عن مدحهم إذا قاموا فيه بحقوق مولاهم .

وقال عبد الله بن عتبة رضي الله عنه:- كان لعثمان بن عفان الله يوم قتل مئة ألف وخمسون ألف دينار ، وألف ألف درهم ، وترك ألف فرس وألف مملوك ، وخلف ضياعا ببئر أريس وخيبر ووادي القرى ما قيمته مئة ألف دينار .

وترك عمرو بن العاص ﷺ ثلاث مائة ألف دينار . وبلغ مال الزبير بن العوام خمسين ألف دينار وترك ألف فرس وألف مملوك

وغنى عبد الرحمن بن عوف أشهر من أن يذكر

فكانت الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم صبروا عنها حين فقدت وشكروا الله حين وجدت .

وإنما ابتلاهم الله سبحانه بالفاقة في أول أمرهم حتى تكملت أنوارهم وتطهرت أسرارهم ، فبذلها لهم حينئذ لأنهم لو أعطوها قبل ذلك فلعلها كانت تؤخذ منهم ، فلما أعطوها بعد التمكين والرسوخ في اليقين تصرفوا فيها تصرف الخازن الأمين وامتثلوا فيها قول رب العالمين سبحانه وتعالى حيث قال:- وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه

فكانت الدنيا في أيدي الصحابة لا في قلوبهم . ويكفيك في ذلك خروج عمر بن الخطاب عن نصف ماله وخروج عبد الرحمن بن عوف عن سبعمائة بعير وخروج سيدنا أبا بكر الصديق عن ماله كله ،

وتجهيز عثمان بن عفان ﷺ جيش العسرة ، إلى غير ذلك من أفعالهم وسني أحوالهم ، فتضمنت الآيات التزكية لظواهرهم وسرائرهم وإثبات محامدهم ومفاخرهم .

تاج العروس لإبن عطاء الله السكندري ص ٣٣٢-٣٣٤ بتصرف يسير جدا

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين