حديث النبيﷺ أن تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ الخ
أحاديث المعاملات

روي عن حضرة النبيﷺ أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ....الحديث. ( أخرجه البخاري )

وقال حضرة النبيﷺ للبلال بن رباح:-   أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا.  أخرجه الإمام أحمد في الزهد والبيهقي في الشعب

الإشارة في الحديث: الحديث الأول :- فيه إشارة للعامة من الناس من كان إيمانهم ضعيف فلاحرج عليهم فعل ذلك بأن يتركوا مالا للورثة والحديث الثاني:- لأهل الخصوص ممن قوي الله تعالى إيمانهم .

البيان:- فلا تعارض بين الحديثين ولكن كل انسان علي قدر إيمانه بربه وفي قوة الإيمان يتفاوت الناس فمن يخاف علي نفسه وأهله ينفق البعض ويترك البعض له ولأهله في حياته أو لبعد مماته . ومنهم من يكون إيمانهم قوي لكنهم أخذوا بالاسباب الظاهرية واعتمدت قلوبهم علي الله تعالي وذلك لا ينقص من إيمانهم ولا درجاتهم عند ربهم

كما حدث لسيدنا عمر وسيدنا ابابكر الصديق لما جاءوا بأموالهم لرسول الله ﷺ قال سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين:- أمرَنا رسولُ ﷺ أن نتصدَّقَ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قالَ فَجِئْتُ بنِصفِ مالي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما أبقيتَ لأَهْلِكَ قلتُ مثلَهُ وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ فقالَ أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ قلتُ لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا ( أخرجه الترمذي و أبو داود والدارمي .

فمن الناس من اقتدي بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن الناس من اقتدي بسيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه .

وروي في الأثر:- [[ أنه لما اقتربت وفاة سيدنا عبد الله بن المبارك أعطى كل ماله للفقراء فاقترب مريد من فراشه فقال : أيها الشيخ لديك ثلاث بنات وأنت تودع الدنيا فاترك لهم شيئا ماذا تركت لهم ؟ قال : قد قلت قوله تعالى ( هو يتولى الصالحين ) والشخص الذي يتولاه ربه أفضل من أن يتولاه عبدالله بن المبارك ( فهو بذلك اقتدي بسيدنا أبا بكر الصديق. ) (١)

[[ روي أن رجلا جاء الي الإمام علي كرم الله وجهه وقال: يا أمير المؤمنين! أوصني. فقال له: لا تجعل أكبر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك من أولياء الله، فإن الله لا يضيع أولياءه، وإن كانوا أعداء الله، فما همك وشغلك لأعداء الله ]] { كشف المحجوب للهجويري ص ٢٢٥ }

وروي أيضاً في الأثر :- [[ لما بايع الناس أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي بالخلافة ذهب الناس يهنئونه بخلافة المؤمنين ودخل عليه سيدنا مقاتل بن سليمان وكان أحد الواعظين. هنا قال أبو جعفر لنفسه: جاء ليعكر علينا صفو يومنا، سأبدأه قبل أن يبدأني، وقال له: عظنا يا مقاتل. قال مقاتل:

أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟، ذلك أن السمع أكثر من الرؤية، فالرؤية محدودة ومقصورة على ما تدركه العين، لكن السمع متعدد لأن الإنسان قد يسمع أيضًا تجارب غيره من البشر. قال أبو جعفر: تكلم بما رأيت. قال يا أمير المؤمنين، مات عمر بن عبد العزيز وقد ترك أحد عشر ولدًا. وخلف ثمانية عشر دينارًا كُفن منها بخمسة، واشتروا له قبراً بأربعة، ثم وزع الباقي على ورثته. ومات هشام بن عبد الملك، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار، غير الضياع والقصور.  كان نصيب الزوجات الأربع هو ثلاثمائة وعشرون ألف دينار، وهذا هو ثُمن التركة فقط.

والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت بعيني هاتين في يوم واحد، ولد من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله وولد من أولاد هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطريق. إ وروي في الأثر :- إن أحد العارفين قبل أن يموت تصدق بماله كله فوبخه أهله علي ذلك فقال لهم إن كان اولادي فاسدين فالمال يعينهم على فسادهم وإن كانوا صالحين فالله يتولي الصالحين

وكان الإمام أبو حنيفة يمضى في السوق ، فتطايرت نقطة طين على رداءه فذهب إلى شاطئ دجلة وكان يغسلها قالوا له : أيها الإمام انك تسمح بمقدار معين من النجاسة على الرداء وتغسل هذا القدر من الطين ! قال بلى فتلك فـتـوى وهذه تقوى كما لم يسمح الرسول ﷺ لبلال أن يدخر نصف رغيف ووضع للنساء قوت عام (٢).]]

{ ( ١ ،٢ ) تذكرة الأولياء للعطار وانظر المختار من مناقب الأخيار وكتب التراجم }

من كان لله كان الله له :- عندما اقترب أجل الفضيل كانت لديه ابنتان فأوصى زوجته ( قائلا ) : عندما أمـوت خذى هاتين البنتين وارتقى جبل أبي قبيس واتجهى إلى السماء وقولي : يا إلهي أوصاني الفضيل وقال : طالما كنت على قـيـد الحـيـاة كنت أحافظ على هاتين البنتين بكل طاقتي وطالما دفنت في القبر فإنني أعيدهما لك فلما دفن فضيل نفذت زوجته ما قاله فصعدت الجبل وأخذت البنتين معها هناك ؟ وناجت المولي عز وجل وبكت كثيرا وبدأت النواح وفي نفس الوقت مر أمير اليمن مع ولديه في ذلك المكان فرآهم في بكاء ونحيب فقال : من أين أنتم ؟ فقصت تلك المرأة الحال : قال الأمير زوجت هاتين البنتين إلى ولدى هذين ومنحت لكل واحدة عشرة آلاف دينار مهرا أرضيت بهذا قالت : نعم ، وفي حال أعد الهوادج والفراش والحرير وأخذهم إلى اليمن ( من كان لله كان الله له )

تذكرة الأولياء للعطار ص ٢٨٩


فكل انسان علي قدر إيمانه بربه . وعلي قدر ايمانك وهمتك يعطيك ولن يبخل عليك فإن اصلحت ما بينك وبين ربك حفظ ذريتك وكانوا ولا زالوا في كفالة الحي القيوم .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين