عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ج١
عصمة الأنبياء

  • عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ﷺ ج١ *

  • أولا قوله تعالي :- ﷽

{ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى الآيات }

الوجه الأول:-

[[ قال العارف بالله الطاهر الحامدي:-

ليس في الآية إثبات ذنب للنبي ﷺ وإنما فيها إعلام من الله عز وجل له أن ذلك التصدي ممن لا يتزكى وتصديه لذلك الكافر كان طاعة لله تعالي وتبليغا عنه فلا معصية ولا مخالفة.

وما قصه الله عليه من ذلك إعلام بحال الرجُلَيْن وتوهين لأمر الكافر عنده وإشارة إلى الإعراض عنه بقوله تعالى ﷽ (وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى )

{ الكشف الرباني للطاهر الحامدي ص ٢٢٨ }

الوجه الثاني:-

روى السيوطي في الدر المنثور القصة عن السيدة عائشة رضي الله عنها عائشة وأنس وابن عباس على اختلاف يسير:

أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله ﷺ وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم

فقال يا رسول الله ﷺ أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم شغله بالقوم فكره رسول الله ﷺ قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه

فنزلت الآيات فكان النبي ﷺ بعد ذلك يكرمه ويقول إذا رآه مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ويقول له هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين.

{ لكن هذا الحديث يعارض صفة النبي وأخلاقه لأن العبوس ليس من صفات حضرة النبيﷺ مع الأعداء فضلاً عن المؤمنين كيف ذلك وقد وصفه المولي عز وجل باعظم الأخلاق فقال تعالي وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }

وقوله تعالى ﷽ { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } 

وقال الطبطبائي في تفسيره :-

فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته ويطلق القول في ذلك ثم يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمه بمثل التصدي للأغنياء وإن كفروا والتلهي عن الفقراء وإن آمنوا واسترشدوا.

{ تفسير سورة عبس للطبطبائي}

الوجه الثالث جمعا بين أخلاقه وفعله ﷺ :-

أولا : الذي عبس لعله إبن أم مكتوم نفسه لأن الكلام متتابع فقال عبس وتولي فالكلام عنه وعليه لأنه رأي انشغال النبي ﷺ ولم يلتفت إليه ليس عن عمد فعبس ثم تولي اي ذهب وترك المجلس

. ثانيا :- العتاب في قوله تعالي ﷽( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)

أي أن انشغالك بدعوة الكفار خاصة رؤساء قريش لأنهم إذا آمنوا اتبعهم قومهم فكان حريصا علي ذلك ولم يكن متعمدا تجاهل ابن أم مكتوم وهذا هو الأولي بأخلاق النبي ﷺ

فالإنسان إذا كان منشغلا قلبا وقالبا بقضية معينة ملكت كل جوارحه فقد لا يشعر بمن حوله أو من يتكلم معه وهذه حالة نراها فيما جميعاً.

فأخبره المولي بأن انشغالك بهم اي بالكفار وعدم شعورك بمن حضر من المؤمنين وهو ابن أم مكتوم فقال له وما يدريك لعله يزكي أو يذكر فتنفعه الذكري.

فإشارة العتاب هنا هو أن المراد اجعل اهتمامك بما قدرت وبما أردته لا بما تريده فما عليك الا البلاغ وبذلك نكون قد جمعنا بين الحديث وبين نزاهة حضرة النبيﷺ من حيث أخلاقه.

  • وقال العارف بالله محي الدين ابن العربي:-

[[ كَانَ الْمُصْطَفَى يَتَوَاضَعُ لأكابر قُرَيْشٍ، لأَنَّ الْأَعِزَّاءَ مِنَ الْخَلَائِقِ مَظَاهِرُ الْعِزَّةِ الإلهية فَكَانَ يُقَدِّمُهُمْ عَلَى فُقَرَاءِ الصُّفَّة ليوفى صفَةَ الْكِبْرِيَاءِ حَقَّهَا،

وَهَذَا مَقَامٌ عال لكن فَوْقَهُ مقام أَعْلَى مِنْهُ وَهُوَ مَا أَمَرَهُ بِهِ المولي عز وجل آخِرًا بِقَوْلِهِ:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ .....الآية }

فَأَمَرَهُ الحق سبحانه وتعالى أَلَّا يَشْهَدَهُ فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ . { الفتوحات المكية لإبن العربي } .

*. قوله تعالى. ﷽. { ووجدك ضالاً فهدى } :-

قال القاضي عياض :-

ليس هو من الضلال الذي هو بمعني الكفر بل ضالا عن النبوة فهداك إليها ( قاله الطبري) أو ضالاً عن شريعتك أي لا تعرفها فهداك إليها

ومعنى قوله تعالى: ﴿ وإن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } [ سورة يوسف]

فاعلم أنه ليس بمعنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنا غَافِلُونَ } بل معناه لمن الغافلين عن قصة يوسف إذ لم تعلمها إلا بوحينا.

وأما الحديث الذي روي عن حضرة النبيﷺ الذي يرويه عثمان بن أبي شيبة بسنده عن جابر

أن النبي ﷺ كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه أحدهما يقول لصاحبه اذهب حتى تقوم خلفه، فقال الآخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الأصنام فلم يشهدهم بعد.

فهذا حديث أنكره الإمام أحمد بن حنبل جدًّا وقال هو موضوع إسناده فلا يلتفت إليه .

  • قول النبيﷺ ( لو كنت مكانه لأجبت الداعي) :-

قول النبيﷺ في حق سيدنا يوسف لما طلبه عزيز مصر فرفض فقال النبي ﷺ لو كنت مكانه لأجبت الداعي

قال العارف بالله علي الخواص:-

إنما ذكر النبي ﷺ لنا ذلك في حق سيدنا يوسف لتحمله شدة ما افترته عليه امرأة العزيز وقد اجتمع في سيدنا محمد يوسف وهو رسول الله تعالى وقتئذ حالان شدیدان حال السجن وحال كونه مفترى عليه

والرسول يطلب أن يقرر في نفوس أمته ما يقبلون منه من دعائهم إلى الخير الذي جاء به عن ربه إليهم والذي نسب إلي سيدنا يوسف معلوم عند كل الناس حينها

وأنه لا يقع في مثله فلابد أن يطلب البراءة بذلك عندهم ليؤمنوا بما جاء به من عند ربه ولم يحضر بنفسه ذلك المجلس عند الملك عزيز مصر

حتى لا يدخل الشبهة في نفوس الحاضرين بحضوره فإن البراءة في غيبته أتمّ وأكمل من براءته في حضوره لأنه ربما يقال أنه الملك عفا عنه أو رفق به في ذلك إذا حضر والله أعلم. { الجواهر للشعراني ص ١٧٣ } . وإلي الجزء الثاني من عصمة سيدنا محمد ﷺ