عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ج٢
عصمة الأنبياء

  • عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ﷺ ج٢ *

قوله ﷻ ( لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) :-

قوله سبحانه وتعالى﷽ { إنا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا *  لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا }

قال عبد القادر الجزائري:-

( اعلم أن ) توبة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ليست من ذنب ولا من نقص فإنهم الأكملون في أنفسهم المكملون غيرهم فلهذا نقول التوبة لا تستلزم وجود ذنب والمخالفة لأمر الله تعالى

كما أن المغفرة الواردة في الكتاب والسنة للأنبياء والرسل لا تستلزمه فليست التوبة والمغفرة مخصوصتين بما سماه الشارع ذنباً فقد يكونان مما يراه التائب غير لائق بجلال مولاه بحسب مرتبة التائب ومقامه ومرتبة علمه بجلال إلنهه وعظمته

وأكمل الخلق علمًا بهذا وقيامًا بمقتضاه الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ولهذا ترى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يتوبون ويستغفرون من أشياء هي عند الأولياء من أكبر القربات، فضلا عن عامة المؤمنين

وانظر إلى ذنوبهم التي يذكرونها عند طلب الخلائق منهم الشفاعة يوم القيامة تعرف هذا فعلو مقامهم وكمال علمهم بجلال الله اقتضى لهم ذلك.

ولما رأوا ذلك ذنبًا وتابوا واستغفروا منه تركهم الحق تعالى على ذلك وقال لهم غفرت لكم

والمغفرة على ضربين:-

الاول :- المغفرة بمعتي الستر عن العقوبة

والثاني : المغفرة بمعتي الستر عن الوقوع في الذنب أو ما سماء ذنبا وإن لم يكن عند ربه ذنبا نحو قوله سبحانه وتعالى. (لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }

فالمغفرة هنا ليست عن ذنب وإنما ذلك لأن النبي ﷺ كان متعجلاً للفتح مستبطأ للنصر خوفا على من آمن به من الفتنة لقلتهم ولفاقتهم كما قال المولي عز وجل

﴿ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾. [ سورة يوسف ]

أي يئس الرسل ممن كذبهم أنه لا يؤمن وظنوا أن أتباعهم
كذبوهم لما تأخر النصر عنهم فرأي النبي ﷺ أن هذا الاستعجال والاستبطاء غير لائق بمرتبة النبوة

والتي هي عبودة محضة لا يشوبها تدبير ولا اختيار مع الحق سبحانه وتعالى بأي وجه من الوجوه فاعتبر النبي ﷺ أن ذلك من الذنب ( صورة وليس ذنبا حقيقيا )

فأخبره المولي سبحانه وتعالى أنه فتح له فتحا مبينا لبعض له ما تقدم من ذنبه، وهو ما سماه الرسول ذنبا وليس بذنب شرعي فالمولي سبحانه وتعالى غفر وستر للاستعجال والاستبطاء

والفتح معلول للمغفرة أي فتحنا لك لنغفر ونستر ما وقع فلا يصيبك الهم والحزن منه بعد أن أخبرناك لك أننا غفرناه لك

{ وما تأخر } أي ليغفر لك ويسترك ويححبك عن مثل ما سميته ذنباً فلا يقع منك في المستقبل إذ بعد الفتح لا استعجال ولا استبطاء فمغفرة ما تقدم. غير مغفرة ما تأخر ]]

{ المواقف الروحية الجزائري موقف رقم ٢٥٧ بتصرف يسير جدآ } .

  • قول النبيﷺ «نحن أولى بالشك من إبراهيم *

قال العارف بالله علي الخواص:-

[[ يقصد النبي ﷺ الثناء على سيدنا إبراهيم علي نبينا وعليه الصلاة والسلام وذلك أن إبراهيم لم يكن عنده شك في إحياء الموتى ولكن لما علم أن إحياء الموتى له وجوها متعددة

ولم يعلم بأي وجه منها يكون إحياء الله تعالى الموتى وهو مجبول على طلب العلم، فعيَّن الله له وجها من تلك الوجوه حتى سكن إليه قلبه فعلم كيف يحيي الله سبحانه وتعالى الموتى

( الجواهر والدرر للشعراني ص ١٧٣) .

  • قوله سبحانه وتعالى:- والله يعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

قال العارف بالله عبد القادر الجزائري: -

[[ ورد في صحيح البخاري أن رسول الله ﷺ قال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة فسمعوا قعقعة السلاح فإذا هو سعد .

وورد في الصحيح أيضا أن النبي ﷺ كان يحرسه أصحابه حتى نزل قوله تعالى{ والله يعصِمُكَ مِنَ الناس }

فخرج إليهم وقال انصرفوا فإن الله قد عصمني فاعلم أن النبي ﷺ كسائر الرسل كان مشرعا بقوله وفعله فأخبره الله تعالى بعصمته بعد حصول التشريع فكان كمالا في كمال

فإن الله سبحانه وتعالى ببديع حكمته قد أثبت في قلوب عباده وجود الأسباب وما كلف عباده الخروج عن الأسباب فإن حقيقة العبد تقتضي السبب،

فإثبات الأسباب أول دليل على معرفة المثبت لها بربه ومن رفعها فقد رفع ما لا يصح رفعه وكان يغلب على ظاهره شهود الاسم الحكيم وهو الذي اقتضى وجود الأسباب مع شهود ربه عز وجل دائما في كل حال.

فلا يلزم من أمره ﷺ بحراسته خوفه من الأعداء فكما عصم الله تعالى رسوله سيدنا محمد ﷺ من القتل فقد عصم جميع رسله - عليهم الصلاة والسلام - من القتل

فما قتل رسول من رسل الله - تعالى - قط لا في الحرب ولا في غير الحرب ولا انهزم ولا خاف الرسل والأنبياء غير الله عز وجل

( وأما قتل الأنبياء فتلك حكمته لمن شاء من أنبيائه لأن كلمة الرسل تطلق علي عمومها فتشمل الأنبياء والرسل فقتل الأنبياء غير الرسل فافهم .

والأسباب حكمة الله تعالى أوجدها لخلقه فلابد من أخذها فإن شاء ربك فعلت الأسباب فعلها وإن شاء لم تفعل فافهم إن كنت لبيب ) ]]

{ المواقف الروحية للجزائري موقف رقم ٣٣٥ }

وإلي الجزء الثالث من عصمة سيدنا محمد ﷺ