عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ج٥
عصمة الأنبياء

  • عصمة بيت النبوة سيدنا محمد ج٥ *

  • استغفار النبي هل هو عن ذنب ام عبادة *

قال العارف بالله عبد القادر الجزائري :-

قال تعالى أمراً للرسول  ﷺ { واستغفر لذنبك } وقال :{ واستغفره إنه كان تواباً } إلى غير ذلك •

جميع الرسل علي نبينا وعليهم الصلاة والسلام معصومون من المعاصي فكيف أمروا بالاستغفار ؟

اعلم أن الاستغفار ثلاثة أنواع :-

النوع الاول من الاستغفار :-

هو استغفار خاصة الخاصة وهو استغفار الانبياء ليس هو من فعل الذنوب والمخالفات كغيرهم وانما استغفارهم بمعنى طلب الغفر وهو الستر عن المخالفات والحيلولة بينهم وبينها فلا يلابسونها .

ولا يقال في هذا طلب تحصيل الحاصل  فانهـم مكلفون منهيـون مأمورون مثابون على امتثال الأوامر واجتناب النهي ولا يكلف ويثاب إلا فاعل مختار

وإنما أمرهم بالاستغفار بالمعنى الذي ذكرناه  وهو استغفار خاصة الخاصة المشار اليه في دعاء الملائكة بقولهم : وقهم السيئات.

 والنوع الثاني من الاستغفار :

وهو استغفار الخاصة وهو طلب الغفر والستر بمعنى عدم الفضيحة واذا انتفت الفضيحة بالذنب انتفت المؤاخدة به لا محالة وهذا النوع هو المشار إليه في تفسير العرض يوم القيامة.

كما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ قالَتْ قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِداءَكَ أليسَ يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:

﷽ { فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا }

قالَ ( النبي ﷺ ) ذاكَ ( يوم ) العَرْضُ يُعْرَضُونَ ومَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَلك

والنوع الثالث:-

استغفار العامة وهو طلب الستر عن العقوبة والمؤاخذة بالذنوب فيخشون الفضيحة بين الخلائق .

المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري الموقف ٢٧٢

وقال العارف بالله عبد الغفار القوصي:-

قول النبي ﷺ اني لاستغفر الله أكثر من سبعين مرة قد يكون الاستغفار أكثر من ذلك وإنما السبعون جارية في كلام العرب كثير فمن ذلك قوله تعالى :

﷽ ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ  )

وهذا لا يقتضي الوقوف على السبعين إذ لو استغفر لهم أكثر من السبعين لم تقع المغفرة .

 وكذلك في قوله تعالى :﷽

[ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ  ]

فلم يقتصر رسول الله ﷺ على ذكر السبعين إلا لهذا المعنى وهو يستغفر على الدوام .

واختلف العلماء في استغفاره ﷺ :-

فمن قائل كان يرقى مقاماً من الأول وذلك عندهم مستحسن بخلاف غيره ولم أجده عندي كذلك إذ لم يكن استغفاره عن أمته وكان استغفاره خصيصاً بنفسه .

فإن رسول الله ﷺ كان في كل مقام على أكمل الأحوال بالأخذ عن ربه فلا ينطق عن الهوى.

قال تعالى﷽ { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ } في المقامات بالله تعالى لا بنفسه

وكيف يصح أن يكون مقام ناقصاً إلى ما هو أعلى منه في مثل هذا الحال إذا كان مشاهداً لفيض الإلهية ومحل الربوبية

فإن كان ارتقاء الرتب المعنوية لا يصح فيه الصعود والهبوط وإنما ذلك بحسب الشخص  ويصح العلو والنزول في التابع ( من أمته ) فإن المتبوع ( سيدنا محمد ﷺ ) مشرع له ومتنزل من علو مرتبته إلى أدنى رتب التابعين

كما توضأ رسول الله ﷺ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به و توضأ مرتين مرتين وقال فيهما ما قال من الأجر مرتين و توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي .

فحين توضأ مرة واحدة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ مرتين مرتين وقال في الثالثة هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي

فمن قال في حقه ﷺ أنه كان في الثالثة أكمل منه في الأولي وأن الأولي ناقصة بالنسبة إلى الثالثة فقد كفر  لأن النبيﷺ إنما تنزل من الثلاثة إلى الواحدة للتعليم

وقد تنزل معلم القرآن إلى مراتب الصبيان للتعليم فيقرأ أول سورة للقرآن وهو حافظ لجميعه فلا يكون ذلك للنقص بل للكمال

( وبناءا علي ما فهمته سابقا ) :-

فإن رسول الله ﷺ كان في كل زمن فرداً مترقياً لقوله سبحانه وتعالى ﷽ ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا )

فلما ترقى إلى مقام شهد فيه من فضل الله تعالى عليه ما يعجز البشر عن القيام بحق الله تعالى فيه وشكر لنعمه عليه لقوله تعالى :.﷽  (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا )

فكان النبي ﷺ يرى نفسه مقصراً مع كماله  ومن كماله أن يرى نفسه مقصراً عن أداء ما يجب لله عزّ وجل عليه في ذلك  فيستغفر الله تعالى ذلك الاستغفار في اليوم والليلة .

{ الوحيد في سلوك أهل التوحيد لعبد الغفار القوصي:- ص ١٨-١٩ بتصرف يسير جدا }

وإلي الجزء السادس من عصمة سيدنا محمد ﷺ .