عصمة بيت النبوة سيدنا موسي ج1
عصمة الأنبياء

  • طلب الرؤية من سيدنا موسى لربه عز وجل :-؛

قال أبو المواهب الشاذلي :-

رؤية الحق تعالى بالبصر جائز وقوعه في الدنيا عقلا لمن شاء الله تعالى صرح بذلك أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه ولا يلزم على ذلك محال .

فإياك يا أخي أن تقع في ورطة الإنكار فإنه يستحيل على سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن يسأل ما كان مستحيلا أو أن يعطل صفة من صفات ربه أو أن يجهلها إنما حجب الخفاش عن الأبصار لضوء النهار ما غلب عليه من تراكم الأنوار فافهم

{ الطبقات للشعراني }

  • وقال العارف بالله محي الدين ابن عربي:-

إنما أحال الحق تعالى موسى على نظر الجبل حين سأل الرؤية لأن من صفات الجبل الثبوت يعني إن ثبت الجبل عندما تجليت له فستراني من حيث ما في الجبال يقال فلان جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشدائد والأمور من خلق العظام .

وإيضاح ذلك أن الجبل ليس هو أكرم على الله تعالى من موسى عليه السلام وإنما هو لكون خلق الأرض التي الجبل من جملتها أكبر من موسى عليه السلام الذي هو من الناس.

كما قال تعالى : ﷽. { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ( سورة غافر ) }

أي فإذا كان الجبل الذي هو الأقوى صار دكا عند التجلي فكيف بجسم موسى عليه السلام الذي هو جبل صغير أي فهو من باب أولى لا يثبت لرؤيتي انتهى .

لماذا عادت روح سيدنا موسى ولم يعد الجبل لصورته

فإن قيل لم رجع موسى عليه الصلاة والسلام إلى صورته بعد الصعق ولم يرجع الجبل جبلاً بعد الدك .

فالجواب :

أن الـجـبـل إنـما زالت عـيـنـه ولـم يرجع إلى صـورتـه لأنه خال عن الروح المدبر له بخلاف سيدنا موسى لم يزل عن صورته بعد الصعق لكونه ذو روح فروحه هي التي أمسكت صورته بإذن الله تعالى على ما هي عليه

( الفتوحات المكية ) .

وقال العارف بالله زكريا الأنصاري :-

يجوز رؤيته سبحانه وتعالى في الدنيا وهذا الجواز عقلي وشرعي بدليل سؤال سيدنا موسى ربَّه الرؤية في الدنيا بقوله { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ ( سورة الأعراف)

ومن المُحال أن يسأل سيدنا موسى عليه السلام ما لا يجوز ولم يخبره الله باستحالتها بل بامتناعها لضعف الخلق عنها فسيدنا موسي ( فلم يري ربه إلا في حالة صعق الجسد وبقاء الروح )

فيجوز رؤية الحق سبحانه وتعالى الرؤيا في الدنيا يقظة ومن قال بامتناع الرؤية في الدنيا مستندا إلى إجماع العلماء على ذلك يقال له :-

الإجماع إنما هو على عدم وقوع الرؤية لا عدم جوازها مع أنه محمول على غير نبينا ﷺ . لكنها تقع في الدنيا بالبصيرة لا بالبصر.

{ إحكام الدلالة لزكريا الأنصاري } .

  • وأما من نفى الرؤية مستدلا بقوله تعالى { لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ ﴾ ( سورة الأنعام )

فلا حجة له لأن الآية صريحة في أن المنفي ليس هو الرؤية بل المنفي هو الإدراك الذي يحصل بالإحاطة بحدود الشيء، وذلك في الأشياء المحدودة والمحصورة أي الأجسام والله عز وجل ليس بجسم فليس بمحدود ولا محصور ]

{ شرح العقائد زكريا الأنصاري }

وقال العارف بالله عبد القادر الجزائري:-

[[ أن سيدنا موسى عليه السلام رأى علو مقامه عند ربه بسماع كلامه وغير ذلك فحمله ذلك على طلب رؤية خاصة وهي رؤية تضمحل فيها الحجب

 وكل عارف  يعلم أن رؤية الحق سبحانه وتعالى تلزمها الحجب إما كثيرة وإما قليلة وإما لطيفة وإما كثيفة . ومن المحال رؤية الحق - تعالى - بلا حجاب في الدنيا ولكن الرائين متفاوتون في كثرة الحجب وقلتها وكثافتها ولطافتها

وأما رؤية سيدنا محمد ﷺ فليست كرؤية غيره من الأنبياء ولا رؤية بعض الأنبياء كرؤية باقيهم فإنه سبحانه وتعالى أخبر أنه رفع بعضهم فوق بعض درجات .

وليس ذلك إلا بزيادة العلم به ولا رؤية الأولياء كرؤية الأنبياء ولا رؤية بعض الأولياء كرؤية البعض الآخرين  فإن كل راء للمولي عز وجل إنما تكون رؤيته بحسب استعداده

 فلما سأل سيدنا موسى من ربه ما سأل أجابه الحق سبحانه وتعالى بأنه لا يقدر على الرؤية حسب سؤاله فأحاله الي ما هو أقوى منه شدة

وأشد بنية كالجبال التي هي صخر فتجلى الحق سبحانه وتعالى للجبل ولموسى ، فما استقر الجبل ولا ثبت فتدكدك الجبل وخر موسى صعقا جسما وروحا

وقد ورد في الصحيح عن حضرة النبيﷺ أنه قال :

« إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ( رواه البخاري )

وإنما كان الدك للجبل والصعق لـمـوسى لأن استعدادهما لا يقوى على هذه الرؤية المخصوصة التي سألها سيدنا موسى علي نبينا وعليه الصلاة والسلام

فأما قوله تعالى ( لن تراني ) :-.

بمعنى لا تطيق رؤيتي على الحالة التي سألتها من قلة الحجب ولطافتها وبقائك على حالتك من غير تغيير فالمنفي هو الرؤية المقيدة المخصوصة بما ذكر

وأما الرؤية فهي ثابتة حاصلة له عليه السلام ولولا حصول الرؤية له ما خر صعقا فسؤاله مقبول من جهة حصول الرؤية وغير مقبول من جهة حصول الصعقة وفساد البنية، وتغيير النظام

وما أمر الحق - تعالى - موسى - عليه السلام - بالنظر إلى الجبل إلا تسلية وإعلاما بالمعاينة .

إن عدم الثبات واضمحلال التركيب عند هذا التجلي المخصوص ليس خاصا به بل هو له ولمن هو أشد وأقوى بنية، ومن زعم أن موسى - عليه السلام - لم ير الحق - تعالى - وأن الجبل رآه فقد جعل الجبل أكرم على الله - تعالى - من موسى، وكفى بهذا جهلاً .

وإلي الجزء الثاني من عصمة سيدنا موسى:- .