قوله تعالي وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً
جواهر العارفين في الحديث والقرآن المبين

قال تعالى:﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾[ الفرقان: 25/2].

وعن عبدَ اللهِ بنَ عمرَ يقولُ : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : كلُّ شيءٍ بقدَرٍ, حتَّى العجْزُ والكيْسُ, أو الكيْسُ والعجْزُ. ( أخرجه مسلم )

  • البيان :؛

سأل سائل قال: طعن بعض الملاحدة في قوله تعالى:﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾

أولا : أن المستعاذ منه هل واقع بقضاء الله وقدره أم لا؟ فإن كان الأول فكيف أمر أن يستعيذ بالله منه؟ وذلك لأن ما قضى به وقدره فهو واقع

فكأنه تعالى يقول الشيء الذي قضيت بوقوعه فهو لابد واقع فاستعذ بي منه حتى لا أوقعه!! وإن لم يكن بقضائه وقدره فذلك يقدح في ملك الله وملكوته.

وثانياً: أن المستعاذ منه إنْ كان معلوم الوقوع فلا مانع له حينئذ لا فائدة في الاستعاذة منه، وإن كان معلوم عدم الوقوع فلا حاجة إلى الاستعاذة منه.

وثالثا : أن المستعاذ منه إن كان فيه مصلحة فكيف رغب المكلف في طلب دفعه ومنعه؟ وإن كان فيه مفسدة فكيف خلقه وقدره؟

الجواب بلسان الأولياء:-

اعلم إن إخراج المعدوم إلى الوجود العيني الخارجي قد يكون لإخراجه من العدم إلى الوجود شرط واحد، وقد يكون له شروط كثيرة وقد يكون لإخراجه من العدم سببه واحد وقد تكون له أسباب متعددة،

.والعلم الإلهي محيط بما يكون من الشروط والأسباب وبما لا يكون ولذلك نجد أن القضاء الربّاني منه ما يقبل التبديل الظاهر عندنا، وهو في نفس الأمر ما هو تبديل

وإنما هو توقف على وجود شرط أو سبب أو انتفاء مانع في علمه تعالى،

ومن القول الإلهي ما لايقبل التبديل وهو ما ليس له شرط ولا سبب ولا مانع كما هو عليه ذلك المعلوم في ثبوته.

وقد اجتمع الأمران في فرض الصلاة ليلة الإسراء ففرضت أولاً خمسون صلاة فلما راجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وسأله التخفيف عن أمته نقص عشراً ثم عشراً إلى خمس صلوات.

فالقضاء الأول بالخمسين كان مشروطاً بقبول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم سؤاله التخفيف عن أمته

فلما سأل ربه التخفيف أجيب وقيل له أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي فهي خمس وهي خمسون:﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾.

وهذا القول الثاني هو الذي لا يقبل التبديل، إذ ليس له شرط ولا سبب ولاتوقف على ارتفاع مانع

فمما ذكرناه سابقا تظهر فائدة الاستعاذة والدعاء،

والأمر بذلك القصد الأول هو إظهار الذلة والحاجة والافتقار إلى من بيده ملكوت كل شيء، وهو مقام الكمل من أولياء الله تعالى

ومن الناس من يستعيذ ويدعو احتياطياً فيقول لعلّ دفع البلاء والضرّ وجلب النفع مشروط بالاستعاذة والدعاء موقوف على سبب الاستعاذة والدعاء وجميع الأسباب

وعلي هذا الاتجاه في الفهم قال سبحانه و تعالى حكاية عن سيدنا نوح عليه السلام

.﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾. [ سورة نوح].

فالأجل الذي يؤخركم عنه هو القضاء الذي يقبل التبديل، وهو مشروط بعبادتهم لله سبحانه وتعالى واتقائه وإطاعة رسوله،

والأجل الذي يؤخرهم إليه هو القضاء الذي لا يقبل التبديل فلا شرط له ولا مانع

وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه في قصة الفرار من الطاعون حيث قال له بعض الصحابة: أتفرّ من قضاء الله تعالى؟

فقال سيدنا عمر : نفرّ من قضاء الله إلى قضاء الله. أي نفرّ لعلّ فرارنا شرط أو سبب في نجاتنا

لأن من القضاء الإلهي ما لا يقبل التبديل، فإذا لم يكن الأمر كما رجونا فنحن نفر إلى قضاء الله الذي لايقبل التبديل

وهو ماليس له شرط ولا سبب. وهذه الجملة كافية في جواب الإشكال ( الاول والثاني في أول هذا الموقف )

وأما الإشكال الثالث:

حيث قالوا أن المستعاذ منه إن كان فيه مصلحة فكيف رغب المكلف في طلب دفعه ومنعه؟ وإن كان فيه مفسدة فكيف خلقه وقدره؟

فالجواب:-

أن تعلم أن الإله لا يكون إلهاً حتى يكون له صفات رحمة وصفات قهر فيرجوه الخلق ويخافوه فيضر وينفع ويعطي ويمنع

فالألوهية اقتضت لذاتها أن تكون لها الأسماء المتقابلة والصلاح والفساد إنما هو بحسب استقبالك واستعدادك لهما

فما يكون صلاحاً لزيد قد يكون فساداً لعمرو فما يتألم به المحرور يتنعم به المقرور

والعكس. فليس الخير والشر والصلاح والفساد إلاّ بالنسبة للقوابل وقابلية الخلق متباينة متخالفة،

فالخير والصلاح مقصود بالذات والفساد والشر عارض والحكيم لا يترك الخير الكثير لما يلزم من الشر.

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين . المراجع :-

  • القران الكريم

  • صحيح مسلم والتمهيد لعبد البر

  • المواقف الروحية لعبد القادر الجزائري موقف رقم الواحد والخمسون بعد الثلاثمائة بتصرف يسير طبعة العلمية ج٢