احاديث العبادات وآداب العادات

حديث النبيﷺ عن اختلاف الأمة بأنه رحمة

روي عن حضرة النبيﷺ

اختلاف أمتي رحمة

{ قال الحافظ العراقي إسناده ضعيف وذكر أثر: اختلاف أصحابي لأمتي رحمة . وقال مرسل ضعيف }

  • البيان:-

قال ابن عابدين:  الاختلاف بين المجتهدين في الفروع لا مطلق الاختلاف من آثار الرحمة فإن اختلافهم توسعة للناس .

أولا: _

الاختلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية ( وهو اختلاف ظاهره تناقض لكن باطنه وحقيته كمال وليس نقص كما قال المولي عز وجل - :

وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [ سورة هود ].

وروي في الأثر:

لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرِ مَا تَبَايَنُوا فَإِذَا اسْتَوَوْا فَذَاكَ حِينُ هَلَاكِهِمْ ( الشعب للبيهقي)

بل كان الاختلاف موجودا في عصر شيوخ الأئمة وكان موجودا في عصر النبي ﷺ علي قدر أفهامهم وتفسيرهم للنصوص.

فمن ذلك أن الاختلاف ما وجد في عهد النبي ﷺ قضية صلاة العصر في بني قريظة وهي مشهورة وكذلك في غيرها من القضايا.

  • ثانيا :

الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة:

إن الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية - غير الأساسية - ضرورة لا بد منها بسبب طبيعة الدين واللغة وطبيعة الكون والحياة.

طبيعة الدين:

فقد أراد الله - سبحانه وتعالى - أن يكون في أحكامه المنصوص عليه والمسكوت عنه.

ويتمثل المنصوص عليه في المحكمات والمتشابهات والقطعي والظني والصريح والمؤول لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط فيما يقبل الاجتهاد.

ولو شاء الله لأنزل كتابه كله نصوصًا محكمة قطعية الدلالة لا تختلف فيها الأفهام ولا تتعدد التفسيرات

ولكنه عز وجل لم يفعل ذلك لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة وطبيعة الناس وضروريات الزمن

وأما طبيعة اللغة:

فإن نصوص القرآن والسنة، جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى وفيها من يحتمل الحقيقة والمجاز والعام والخاص والمطلق والمقيد الخ ..

وأما طبيعة البشر :

فقد خلقهم الله مختلفين فكل إنسان له شخصيته المستقلة وتفكيره المتميز وميوله الخاصة ومن العبث صب الناس في قالب واحد ومحو كل اختلاف بينهم فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها

وأما طبيعة الكون والحياة :-

فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه خلقه الله سبحانه مختلف الأنواع والصور والألوان، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع.

وكذلك طبيعة الحياة، فهي أيضًا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة في المكان والزمان.

فالاختلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية كما قال المولي عز وجل - :

وَلَوْ شَاءَ ربك لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [ سورة هود ].

ثالثاً معتي الاختلاف رحمة:

على الرغم من أن الاختلاف ضرورة فإنَّهُ رحمة بأمتنا الإسلامية وتوسعة عليها ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة ولم يضيقوا ذرعا بذلك

فهذا الخليفة الراشد سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة :

مَا يَسُرُّنِي لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا لَمْ تَكُنْ رُخْصَةٌ .

فإنهم باختلافهم أتاحوا لنا فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم وسنوا لنا الإجتهاد في القضايا الاجتهادية

رابعا :-

ما اختلف الفقهاء في حكمه شرعا لا زجر فيه :-

إن من آداب الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن القائم بهذا يسعي أن ينهى عن المنكرات المجمع عليها لا المختلف فيها

ولا ينصرف إلى النهي عما اختلف فيه العلماء من المسائل الاجتهادية فذلك اشتغال بالانتصار لاجتهاده وشخصه ومحاربة لما يقابلها من الاجتهادات الأخرى

وإن إثارة المسائل الخلافية في الفروع تُفَرِّقُ ولا تُجَمعُ وتؤدي الي ظهور التراشق بالتبديع والتضليل.

وقد اختلف الأئمة في كثير من المسائل الاجتهادية وهم جميعا على الهدى ما دام الاختلاف ليس عن هوى أو شهوة ( أو حظ نفس أو عصبية جاهلية )

قال سيدنا سفيان الثوري:

إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه

وفي الآداب الشرعية لابن مفلح :-

قال الإمام أحمد من رواية المروزي عنه لا يسعي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشتد عليهم.

وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم:

ليس للمفتي ولا للقاضي أن يفرض رأيه على من خالفه إذا لم يخالف نصا ولا إجماعا أو قياسا جليا

اذن الاختلاف الناتج من الإجتهاد في الأحكام التي ليس فيها نص بالحرمة بل ناتج عن قياس أو استحسان أو غيره فهو لطبيعة اختلاف وموائمة الزمان والمكان والحدث والاحوال فيكون ذلك رحمة بالعباد وليس مشقة وفرقة وتعنت

وقال الإمام القرافي ما معناه :-

من أخذ الأحكام من الكتب وطبقها علي الواقع فهو ضال مضل لأن الأحكام الفرعية والاجتهادات علي حسب الزمان والأحوال والأشخاص والبيئة

خامسا :-

الاختلاف له ضوابط لابد من إتباعها منها :-

١- لابد من رد الاختلاف الي كتاب الله وسنة رسوله مصداقا لقوله تعالى:

{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }

بشرط أن نستنبط بنفس الطرق التي استنبط بها علماؤنا وليس بالأهواء أو التعصب وان يكون الأمر مجمعا عليه فلا نعود لمذهب دون مذهب بل يعرض الأمر على ثلة من العلماء، حتى نحقق الأمورعلى وجهها الصحيح الأكمل.

٢- - اتباع المنهج الوسط فالله - سبحانه وتعالى - يقول : لا يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا كم العسر

{ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضعيفا }

ويقول تعالى: { مَا يُرِيدُ اللهُ ليَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ﴾

فالتشدد منهج يَنْبِذُهُ الإسلام، فلا بد من رخصة وتيسير على الناس ومراعاة ظروفهم.

٣- التفريق بين القطع والظن في الأدلة، والتركيز على المحكمات لا المتشابهات فمن المعلوم أن النصوص بعضها ظني الثبوت ظني الدلالة، والآخر ظني الثبوت قطعي الدلالة، وبعضها قطعي الثبوت ظني الدلالة والآخر قطعي الثبوت قطعي الدلالة

فقطعية الثبوت هي :

القرآن الكريم والسنة المتواترة، والأحاديث وكذلك أحاديث الأحاد الصحيحة التي حفلت بكثير من القرائن الدالة على صحتها ووجوب الأخد بها وتلقتها الأمة بقبول حسن.

٤- تجب القطع في المسائل الاجتهادية فالاجتهاد إذا كان وفقا لأصول الاجتهاد، ومناهج الاستنباط في علم أصول الفقه - يجب عدم الإنكار عليه

فلا ينكر مجتهد على مجتهد آخر ولا ينكر مقلد على مقلد آخر وإلا أدى ذلك إلى فتنة.

٥- من أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا بد له أن يطلع على خلافات العلماء وأدلة كل منهم حتى لا ينكر على الناس أمرا هم متبعون فيه علماء أفاضل

فالاختلاف من ضروريات الحياة، وقد قال الله - سبحانه وتعالى - : { ولو شاء ربك لجعل الناس أُمَّةً واحدةً ﴾

فالتعصب لمذهب واحد واعتقاد أن كل من خالفه مخطئ فهذا أمر يجر إلى فتن عظيمة.

-٦- النظرة الشمولية فلا بد من الجمع بين كل ما ورد فيما يخص المسألة الواحدة لتحريرها تحريرا جليا واضحا وألا ننساق كذلك وراء شيخ واحد تقدمه أو عالم واحد تعظمه ولا نلتفت إلى سواه

وإلا فقد أدخلنا أنفسنا في محظور قول الله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾

٧- النظر في المقاصد واعتبار المآلات فمسألة المقاصد الإسلامية لها دور كبير في تيسير المعاملات، وتسهيل العمل في هذا الزمن وفي ذلك يقول الرسول ﷺ:

إنما الأعمال بِالنَّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ( متفق عليه)

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

  • المراجع:-

  • صحيح البخاري ومسلم

  • جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر في التمهيد

  • شرح صحيح مسلم النووي

  • المادة العلمية من كتاب الإنصاف فيما اثير حوله الخلاف للعلامة د.عمر عبد الله كامل ( بتصرف يسير )

  • رسائل إبن عابدين

  • الآداب الشرعية لإبن مفلح

  • مختصر المنهاج للحافظ العراقي .