عن أنس رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا
أين نحن من النبي ﷺ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الآخر وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر. وقال الآخروأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله ﷺ إليهم، فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. ( متفق عليه )
* البيان *
اعلم يا ولي في الله أن كثيرا من الناس عندما يحاول أن يقتدي بحضرة النبيﷺ في المجاهدات الشاقة علي النفس لا يميز ولا يفصل بين حال النبي قبل الهجرة وبعدها ولا يعرف أن حضرة النبيﷺ قدوة للضعيف قبل القوي والمريض قبل الصحيح والكبير قبل الصغير
وفي ذلك المعني قال العارف بالله محمد البكري
[[ اعلم يا أخي أن المجاهدة هي سلم المريد إلى المعرفة المذكورة وهي شرط على من طلبها والمجاهدة هي كل ما كان يفعله النبي ﷺ
- فقبل البعثة *
كان يصوم شهراً كاملاً وهجر الخلق وذهب إلى غار حراء وكان يتعبد فيه الليالي ذوات العدد وكان يصوم حتى يظنوا أنه لا يفطر ويقوم الليل حتى تورمت قدماء الشريفتان
وكل ذلك كان يفعله قبل البعثة حتي جاءه الفتح القدسي بالوحي حيث نزل عليه سيدنا جبريل بالقران والسنه) .
- وأما بعد البعثة *
فإنه اشتغل بقيام ما أمر به من دعوة العباد إلى توحيد الله تعالى وامتثال أمر الله تعالى من أجل القربات.
لقوله ﷺ لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم تنفقها في سبيل الله ( رواه البخاري )
وإنما كان عمله بمقتضى ما أوحى الله إليه بعد البعثة وشيئاً من النوافل لتقتدي به أمته ذلك طمعاً لهم في حصول نتيجتها
ونهی النبي ﷺ عن ارتكاب المشقة في الطاعة . بقوله :- إن لنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً
(رواه الحاكم في المستدرك والترمذي في سننه)
وكذلك وطقوله ﷺ : « أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء فهذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني
ولم يصوم بعد البعثة شهراً كاملاً بخلاف ما كان عليه قبلها فإنه كان في المجاهدات إلى الغاية القصوى حتى أنه هجر الخلق وذهب إلى غار حراء وكان يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ...الخ( كما ذكرنا سابقا )
إلى أن أنزل الله تعالى عليه :-
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ( سورة المزمل)
وقوله تعالى : طه* مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى* إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى* تَنـزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق الأرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى* (سورة طه )
فلما أنزل الحق عليه هذه الآيات رجع إلى فعل ما أمره الله تعالى به والي قدر معلوم من النوافل سنها حضرة النبيﷺ للمنتمين في الكمال من أمته.
وأما أهل البداية فهم مكلفون بما كان يفعله في بدايته ( قبل البعثة ) كما قال تعالى : ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) [ سورة النحل ] .
( فكما أن الوصول إلي البلاد فيه مشقة لابد من تحملها حتي تصل إلي مرادك كذلك لابد من المجاهدة الشاقة لكي تصل إلي مرادك لمعرفة ربك )
- وقوله تعالى : ( ورتل القرءان ترتيلا )
فيه إشارة إلى أن القليل من الصلاة إذا كانت مصحوبة بترتيل القرآن أفضل من قيام الليل كله يصلي بالقرآن سرداً من غير ترتيل لأن ترتيل القرآن يظهر معانيه فتحصل بها لذة المناجاة .
وما ورد بأنه كان يعصب على بطنه بعد البعثة بالحجارة من شدة الجوع فليس ذلك يعتبر من مجاهدة النفس
لأن المقام لا يقتضي ذلك بعد الكمال لحضرة النبيﷺ وإنما فعل ذلك للتشريع حتى تقتدي به أمته في صبرهم مع الحق حيث ما أقامهم فيه .
واعـلـم أن الاقتداء بـه أمـر لازم لـمـن أراد أن يبلغ رتبة الـكـمـال فـي الأقـوال والأعمال والأحوال :-
فالأقوال : . تتعلق بالجارحة الحسية وهو اللسان
والأعمال: . تتعلق بالجوارح الظاهرة والباطنة وهي القلبية والفكرية والوهمية والخيالية
والأحوال : . تتعلق بالجوارح الباطنه فقط وهي صفات العبد وتخلقه بأخلاق الرحمان .
والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
* المراجع *
- صحيح البخاري ومسلم
- السيرة النبوية
- قطف ازهار المواهب الربانية من أفنان رياض النفحة القدسية ص 267 ( بتصرف )