احاديث العبادات وآداب العادات

حديث النبيﷺ عن فضل واسرار صلاة الجماعة

روي عن حضرة النبيﷺ  

صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِنْ صَلاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ درَجَةً

( متفقٌ عليه.) . * اقوال العارفين في ذلك*

قال أبي مدين الغوث:-

[[ فضلت صلاة الجماعة على صلاة الفرد لأنه يكتب لكل عبد من صلاته ماقام به منها ، فيكتب من صلاة عشرها ، ومن صلاة ثلثها ، ونصفها ، وغير ذلك

أى ـ كما في الحديث فيرتفع للجميع صلاة مكملة الأجزاء بعضها ببعض فيعيد الله بركة الكمال والإتمام على الجماعة فيكتب لكل واحد منهم صلاة كاملة ببركة الاجتماع . ]]

{الكواكب الدرية للمناوي} .

وقال محي الدين ابن عربي:-

[[ أن حضور من يحضر قلبه في الصلاة يجبر غيبة من غاب قلبه ولم يحضر فيها فتكون صلاة الجميع تامة أراهم كالجسد الواحد ]]

{ العطر الوردي لاسماعيل الجبرتي } . قال الرومي :-

لا رهبانية في الإسلام الجماعة رحمة عمل المصطفى ﷺ من أجل الجماعة لأنّ لاجتماع الأرواح آثاراً عظيمة وخطيرة أما في الوحدة والانفراد فلا يحصل شيء من ذلك.

وهذا هو السر في بناء المساجد ليجتمع فيها أهل القرية والمدينة وتتضاعف الرّحمة والفائدة وقد بنيت المساجد الجامعة لكي يجتمع فيها أهل المدينة جميعًا وأسست الكعبة لكي يلتقي منها أغلب الخلق المدن والأقاليم (وهناك الرحمة والمغفرة الشاملة لأنهم زوار بيته الحرام )

{ فيه ما فيه للرومي ص ١٠٣ }

. وقال الحكيم الترمذي:-

[[ وأما علة صلاة الجماعة والإمامة ففيها وجهان :-

الوجه الأول:-

رب عبد واحد أكثر من مائة ألف فإذا اجتمعوا لإقامة الصلاة لم تخل تلك الجماعة من قوي يغرق في جنبه مائة ومائتان وألف وأكثر من ذلك

وإنما تنزل تلك الرحمة على تلك الجماعة فتقسم عليهم فالضعيف يشارك القوي ويسد خلله بما يناله من فضل قوة القوي

فلقد روي عن رسول الله ﷺ انه قال : « مؤمن قوي ومؤمن ضعيف ، فالمؤمن القوي أحب إلى – الله - تعالى من المؤمن الضعيف وكلاهما على خير » ) .

فالمؤمن القوي :

هو الذي امتلأ قلبه من الإيمان وامتلأ صدره من شعب الإيمان وصدقه التوكل والحياء والرضا والقناعة والخوف والرجاء..... الخ

فهذا القوي يقف بين يدي الله تعالى بقلبه كما يقف في الظاهر بجوارحه فقلبه يناجي وفؤاده يناغي وبدنه يواجه وليس لقلبه التفات لأنه قد سلم صدره من الآفات وتفرغ قلبه منها

والضعيف:-

من يقصد بعمل الأركان وزينها بألوان الطاعات ويهمل شأن قلبه فيكون فيه الغل ، والحسد ، والغش ، والمكر ، والحمية ، والحقد ، وطلب العلو ، وحب الشاء والشهوة ، والغضب والحرص والشح والطمع وقلة الرضا واليأس ....الخ

فإذا قام كل منهما ( القوي والضعيف) بين يدي الله جل جلاله -مع هذه الآفات وقام عبد آخر ليس عنده شئ من هذه الآفات كلها وممتلئ الصدر بشعلة الأنوار يناجي ربه مستسلما وخاضعا وخاشعا متواضعاً لربه

ظهر تفاوت صلاتيهما فإذا اجتمعا إلى صلاة فكانت صلاة واحدة فعلى قدرها تنزل الرحمة فنال الضعيف من القوي ببركته وصدقه وطهارة قلبه

فلقد روي عن كعب أنه قال :-

أجد في التوراة أن الرجل من هذه الأمة ليخر ساجدا فيغفر لجميع من خلفه من الصفوف فضلاً عنه فكان كعب يتحرى الصف المؤخر رجاء أن يكون فيما تقدم من الصفوف واحد منهم.

ألا ترى إلى قول حضرة النبيﷺ

إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم

(نوادر الأصول للترمذي )

الوجه الثاني في فضل الجماعة :-

ليس رجاء واحد كرجاء الجميع وليس اعتذار واحد كاعتذار الجميع وإنما يعتذر كل واحد من الذنب ويسأل كل واحد المغفرة والرحمة .

فإذا اجتمعوا على مسألة واحدة أجيبوا وكذلك قال سيدنا ابن عمر رضي الله عنه إن الله سبحانه وتعالى ليعجب من صلاة الجماعة

ألا ترى إلى التدبير في شأن الملوك أنه إذا كثرت الوجوه لصاحب المسألة استحى منهم أن يردهم فيجيبهم وإن لم يكونوا أهلاً لذلك فإنما وضع هذا في العباد لكي يعرفوا ذلك منه فيرجوه .

فلقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :-

قال الله تعالى أستحيي من عبدي أن يرفع إلى يديه ثم اردهما صفرا

أخرجه الترمذي في نوادر الأصول ورواه أبو نعيم في الحلية} ]]

{ اثبات العلل للحكيم الترمذي }

الوجه الثالث في فضل صلاة الجماعة:

قال مطرف بن عبد الله:-

[[ إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلاة والآخر أكرم على الله تعالى من الأول مع أنه أقل صلاة منه ومع ذلك تري بينهما فرقا كبيراً

فقالوا له كيف يكون ذلك ؟

قال لأنه أكثر ورعا عن محارم الله من صاحبه ( الأكثر صلاة وعبادة ) ]]

{المختار من مناقب الأخيار }

( فأنت تصلي ومالك من حرام او شبهة حرام ومن بجوارك أكثر ورعا منك فيتقبل الله صلاتك بسببه لانه كريم ويحب أن يكرم أحبابه )

وجه رابع في فضل صلاة الجماعة :-

( أنت تصلي وقلبك اسود بسبب أفعالك وأخلاقك من حقد وكره وبغض واعتراض علي قضاء الله وقدره وعلي قسمته بين خلقه وحسد وغيبة ونميمة الخ

ومن بجوارك قلبه اصفي من نور القمر وجوارحه طوع مراد ربه فيتقبل الله صلاتك بسببه )

كما روي عن حضرة النبيﷺ :-

إن الرجل ليصلي بجوار الرجل وبينهما بعد الثريا
( والثريا في السماء السادسة )

وجه خامس في فضل الجماعة:-

( أن الذي يصلي بجوارك قد يكون ولي من أولياء الله تعالى وانت لا تدري به ولا تعرفه والولي يعبد ربه بعلم لا تعلمه

فتسبيحة واحدة من ولي عارف بربه بآلاف من تسبيحك وذكرك فيتقبل الله منه ويتقبل منك بسببه

كما روي في الحديث القدسي عمن اجتمعوا لذكر الله فيقول الملائكة يا رب فلان ليس منهم فقال الحق عز وجل هم القوم لا يشقي جليسهم )

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم

  * تتمة *

. إذا تعارض العمل مع صلاة الجماعة وصاحب العمل يرفض ذهابك للصلاة أو أن العمل سيفسد إذا تركته مثل الطبيب في عملية أو عامل علي تحويلة القطارات أو في معمل أو خباز أو مثل ذلك

[[ قال سفيان الثوري:-

عندما سئله الناس عن رجل يكتسب لعياله ولو صلَّى في الجماعة لفاته القيام عليهم ماذا يفعل

فقال سفيان يكتسب لأولاده قوتهم ويُصلِّي وحده ]]

{ الطبقات للشعراني ج١ } .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلي آله وصحبه أجمعين.

  • المراجع *

  • صحيح البخاري ومسلم

  • الكواكب الدرية للمناوي ج٣ ص ١٢١

  • العطر الوردي في كرامات اسماعيل الجبرتي ص ٣٥٠ .* كتاب إثبات العلل للحكيم الترمذي

  • نوادر الأصول للترمذي

  • المختار من مناقب الأخيار ج ٥ ص ٢٢

  • الطبقات للشعراني ج١ ترجمة سفيان الثوري

  • فيه ما فيه لجلال الدين الرومي طبعة دار الفكر دمشق .