احاديث العبادات وآداب العادات

حديث النبيﷺ عن الحلف بغير الله

روي عن حضرة النبيﷺ

أنَّ رسول الله ﷺ أدرك عُمَرَ بن الخطاب وهو يسير في رَكْبٍ يحلف بأبيه فقال ألا إنَّ الله يَنْهاكُمْ أن تحلفوا بآبائِكُمْ مَن كان حالفا فَلْيَحْلِفْ بالله أو لِيَصْمُتْ.

( أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) .

      * اقوال العارفين في ذلك * 
  • قال العارف بالله أبي الفيض الكتاني:-

إن الله سبحانه وتعالى لما جعل طاعة نبيه ﷺ طاعته كما روي عن حضرة النبيﷺ

مَن أطاعني فقد أطاع اللهَ ومَن عصاني فقد عصى اللهَ ...الخ .الحديث. ( أخرجه ابن حبان )

وجعل بيعة النبي ﷺ من بيعة المولي عز وجل كما قال سبحانه وتعالى:.

﷽ { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } ( سورة الفتح )

وكذلك جعل تحكيم النبي ﷺ فيما شجر بيننا من خلاف من الإيمان بل لا نؤمن حتى نكون كذلك.

كما قال سبحانه وتعالى : ﷽

{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ( سورة النساء )

( وعلي هذا فقد ) صار الحلف بالنبي ﷺ كأنه الحلف بالله عز وجل لأنه ﷺ ليس له منه شيء فما هو إلا أنوار ربانية تجسدت وصارت تسمى محمدا بشريا .

  • وقال الإمام أحمد رضي الله عنه:-

من أقسم بالنبي ﷺ ينعقد أيمانه وتجب الكفارة عليه بالحنث ( أي الكفارة إذا حنث في يمينه)

فهكذا ينبغي أن يفهم كلام الإمام أحمد رضي الله عنه والمنقول عنه في توجيه ذلك أن النبي ﷺ أحد ركني الشهادة فلذلك صح الحلف بالنبي وانعقد.

  • وقال الإمام القرطبي في قوله تعالى : ﷽

{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } (سورة الحجر)

فقال الإمام القرطبي استتباطا من الآية الكريمة السابقة بأنه يجوز الحلف بسيدنا محمد ﷺ وبحياته

  • وقال الإمام عياض :-

اتفق أهل التفسير أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة النبي سيدنا محمد ﷺ.

وأصل قوله تعالى ( لَعَمْرُكَ ) وضع الضمة علي حرف العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال

ومعناه : وبقائك يا محمد ﷺ وقيل وعيشك وقيل وحياتك وهذا نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف بحضرة النبي ﷺ

  • وقال سيدنا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : -

ما خلق الله سبحانه وتعالى وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من سيدنا محمد ﷺ وما سمعنا الله أقسم بحياة أحد غير النبي ﷺ

  • وأما المذهب المالكي :-

فالمشهور في المذهب ( جواز ) الحلف بكل شيء معظم من جهة الشرع كالنبي والكعبة والعرش والكرسي.

ولكن لا يستدل بحلف الحق سبحانه وتعالى ببعض المخلوقات كما في القران ( كقوله والشمس وضحاها ولا اقسم بهذا البلد والضحي وقوله ونفس وما سواها...الخ ) لأنه سبحانه وتعالى يحلف بما شاء . وليس لغيره عز وجل ذلك

   * تتمة وتنبيه *
  • { وأما نهي النبي ﷺ عن الحلف بغير الله تعالى لأنهم كانوا حديث عهد بالإسلام وكانوا يعظمون الآلهة والاباء والاجداد والنجوم الخ

فكان لابد أن يرسخ عقيدة تعظيم الله وحده في قلوب من آمن منهم والحلف بالله أحدي وسائل التعظيم لله سبحانه وتعالى

ولما رسخ الإيمان وتقادم العهد بالإسلام وانتفت الوثنية والجاهلية ورسخ تعظيم الله تعالى والقرآن والسنة وحضرة النبي فلا بأس من ذلك

والأولي تركه خروجا من الخلاف في كل ما هو يمين في اي شئ معظم بخلاف اليمين بالنبي فلا حرج فيه لعظم مكانته عند ربه كما علمت سابقا .

  • تتمة *

الأدب إذا حلفت بالله والتصدق بسببه :-

[[ كان الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم .

فكان إذا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها. وكان إذا اكتسى ثوبا جديدا كسى بقدر ثمنه الشيوخ العلماء ]]

{ تاريخ بغداد } .

والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين.

     * المراجع * 
  • تفسير القرطبي سورة الحجر
  • الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض
  • انظر الفقه علي المذاهب الأربعة
  • خبيئة الكون شرح الصلاة الأنموذجية ص ٣٨٣ بتصرف يسير جدآ
  • تاريخ بغداد ج١٣ ترجمة الإمام أبو حنيفة .