روي عن حضرة النبيﷺ
أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ
{ البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها}
- البيان:-
المراد من دوام العمل من ذكر وصلاة وتلاوة هو القيام برسوم العبودية وتعظيم جانب الربوبية وليس المراد منها طلب الأحوال والمقامات
لأن من عبد ربه لأجل علة من مقام وحال أو جنة أو نار فإنه عبد العلة وليس عبدا لله تعالى فإن ذلك قدح في الإخلاص عند أهل التوحيد الخاص .
فكن عبدا لله مداوما علي ما تفعله من ورد الذكر أو الصلاة أو التلاوة أو خدمة الوالدين أو الناس حتي وان كان العمل قليل سواء وجدت حلاوة العبادة أم لا وسواء اعطاك أو حرمك
كما قال إبن عطاء الله السكندري:- لاَ يَكُنْ طَلبُكَ تَسَبُّبًا إِلَى الْعَطَاءِ مِنهُ فَيَقِلَّ فَهْمك عَنْهُ وَلْيَكُنْ طَلَبُكَ لِإِظْهَارِ العُبُودِيَّةِ وَقِيَاماً بِحُقُوقِ الرُّبُوِبِيَّةِ .
* أقوال العارفين في ذلك *
- قال إبن عطاء الله السكندري:-
لا تيأس من قبول عمل لا تجد فيه وجود الحضور فربما قبل من العمل ما لم تدرك ثمرته عاجلا
{ الحكم العطائية الحكمة رقم ٢٠٩ }
- وقال إبن عجيبة الحسني: -
إن توفرت في العمل والعبادة شروط القبول من جهة الشريعة بأن يصحبه الإخلاص والتقوى والإتقان الشرعي فهو مقبول عند الله إن شاء الله تعالى سواء وجد ثمرته أم لا
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [ سورة المائدة ]
فإن كنت تتقي الله في ظاهرك وباطنك على قدر استطاعتك ومخلصاً لله في أعمالك ثم لم تجد حلاوة العمل ولا حضور قلبك فيه ولم تجد ثمرته من أحوال الواجدين وأذواق العارفين فلا تيأس من قبوله عند الله
فليس وجود الحال ولا الحلاوة شرطاً في العمل إنما هي علامة والعلامة لا يلزم طردها فربما قبل من العمل ما لم تدرك ثمرته عاجلاً، فيعطيك ثوابه آجلاً
فلا ينبغي لك أن تستحقر عملك حتي ولو كان قليل فتتركه لعدم حضورك فيه أو لعدم وجدان ،حلاوته بل يجب عليك أن تدوم عليه حتى تجني ثمرته
فمن داوم علي قرع الباب يوشك أن يفتح له الوهاب
واذكر قضية العابد الذي بقي في مكة أربعين سنة وهو يقول لبيك اللهم لبيك والهاتف يقول لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك،
ومع ذلك ملازم لم يبرح من موضعه ولم يرجع عن عمله، فجاء إليه رجل يزوره فلما قال الرجل العابد لبيك فقال له الهاتف لا لبيك فقام الزائر منصرفاً عنه وقال في نفسه هذا رجل مطرود
فناداه العابد ما لك فقال يا سيدي أنت قلت لبيك والقائل قال لك لا لبيك فقال له يا هذا لي أربعون سنة أسمع هذا الخطاب
وهل هنالك أبواب أخرى نأتيه منها أنا واقف ببابه ولو طردني ألف مرة ما برحت عن بابه فقبله الحق تعالى فلما قال لبيك قال له الحق لبيك وسعديك، أو كما قال
فانظر من لازم الباب كيف التحق بالأحباب وفتح في وجهه الباب ولذلك قال النبي ﷺ أحب العمل إلى الله ادومه وإن قل . . { شرح الحكم لإبن عجيبه الحسني}
- وقد ورد فيما أوحي إلى سيدنا داود :-
فإن أردت التقريب من حضرتي فاعبدني امتثالاً لأمري عبادة لا لذة فيها فإني لا يلتذ برؤيتي لعدم مجانسني لخلقي فليس أنا جسم ولا معنى حتى يلتدّ بي
{ شرح حكم ابن العربي ص٨٠ }
- وقال أحد العارفين:-
العبد الكامل الذي يتحلى بفضل الله تعالي :-
هو الذي لا يتغير بشيء من ( جهة ) الله عزّ وجل لا بالبلاء ولا بالنعماء ولا بالكرامات ولا بالمقامات
فكل من ينزل إلى شيء من هذه المعاني ( اي يطلبها ويريدها ) لا يكون إلا كاذب لأن الكرامات والمقامات والدرجات كلها ليست إلهية
بل هي كلها نصيب العبد وكل من نزل إلى هذا صار عبد النصيب (وليس عبدا لله سبحانه وتعالى)
ومن تغير حاله مع ربه بالزيادة أو النقصان أو ملل أو
اجتهاد بسبب البلاء أو النعمة فهو عبد نفسه وحظوظها
وليس عبدا لله تعالى
.
والله سبحانه وتعالى أعلي وأعلم وأحكم. وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. وعلي آله وصحبه أجمعين. .
-
المراجع:-
-
صحيح مسلم والبخاري
-
الحكم العطائية لإبن عطاء الله السكندري
-
طبقات الخواص للزبيدي طبعة دار المنهاج
-
إيقاظ الهمم في شرح الحكم لإبن عجيبه الحسني
-
شرح حكم ابن العربي للملا موسي الكردي .