تابع فضل الذكر وأثره علي العبد ج٢
قال محي الدين ابن عربي:-
[[ الرياضة عند المحققين ( من الذكر الكثير وقلة النوم وقلة الطعام والشراب والصمت وقيام الليل) إنما هي لتحسين الأخلاق وعند الحكماء لصفاء المحل
لكن الرياضة ليست سببا أو سيلة تجلب الفتح الإلهي ولا ينتجانه أصلا وإنما يأتى الفتح من عند الله ولو كان له سبب ينتجه لكان مكتسبا ،
وانما جعل الذكر عادة لئلا يروح القلب بغير عبادة ويتعين على الذاكر ألا يقصد بذكره حضرة مخصوصة أصلا بل يترك الحق يختار لله من خزائن غيبه ما يقتضيه جوده وإحسانه
وقال رضي الله عنه من يتعرض للفتح فلا يفتح له يجمع له إلى أن يموت فيرى عند موته ما أخفى له من قرة أعين
فيعلم عند ذلك أنه كان مسافرا إلى الله ولم يشعر لكونه ما فتح له في حياته الأولى ولا شاهد ما شاهد غيره من السائرين إلى الله . ]]
{ الكواكب الدرية } .
- قال نجم الدين كبري:-
[[ الاستغراق في الذكر إنما يكون ( اي يظهر ويكون له تأثير ) إذا إحترقت الأجزاء الخبيثة وبقيت الأجزاء الطيبة وحينئذ تسمع ذكر الوجود من حولك
ثم تسمع ذكر قلبك ثم جوارحك ثم كل ما حولك من جماد وحيوان ونبات ثم يفتح الله تعالى بصيرتك وأول فتح البصيرة من العين ثم من الوجه ثم من الصدر ثم من البدن كله فيرى بكل البدن الكل .]]
{ الكواكب الدرية }
[[ الذكر نوعان : ذكر يتولد منه الخوف والخشية :-
هو ذكر من يذكر الله مع نفسه ويرى أن ذكر الله له ما كان إلا بذكره لله تعالى ويعلم أنه بذكره له يصل إلى ذكر الله له
الثاني : ذكر يتولد منه الشوق والمحبة :-
هو الذاكر الذى يتذكر ذكر الله له في الأزل حيث لم يكن موجوداً إلى أن يصير فى الدنيا مفقوداً ثم إلى الأبد فذكر الله له سابقاً أزلياً خالداً أبدياً . وذكره لله مكدراً بالشهوات ممزوجاً بالغفلات.
وفرق كبير بين النوع الأول الذي يدخل على الله برؤية ذكره وبين النوع الثاني الذي يدخل على الله برؤية فضله ومنته .
فلتعلم أيها الذاكر من تذكره عز وجل. ولمن المئة والفضل عليك بالدخول إلى حضرته ودخولك سرادقات الأنس بالله تعالى وأن ذكر مولاك لك أسبق من ذكرك
فلتفطن وتفهم من الذاكر حقاً وان الاضافة منه لك بأنك تذكره تشريف يستوجب منك لا تقدر علي الوفاء به إلا بتوفيقه لك سبحانه وتعالى .
فهو الذي ينعم عليك ويوفقك ثم يشكرك على ما فعلت من واجب تلك النعماء ثم يثنى عليك بالاعطاء نعم العبد إنه أواب ، فمن الذي جعله أواباً ؟
الذكر نار لا تبقى ولا تذر فيحرق ويحطم الشهوات وخواطر النفس الأمارة ووساوس الشيطان أحرق الذكر ذلك كله وينير القلب بنور الله تعالى
والذكر يكون أولا باللسان فإذا داوم عليه صاحبه انخرق له القلب وسرى نور الذكر إلى بقية الجوارح واستغرق العبد كله فى الذكر فتحولت بشريته ووجوده إلى حال آخر
كما روى عن سيدى أحمد الرفاعي رضى الله عنه أنه كان إذا ذكر الله تعالى واستغرق في الذكر تحولت بشريته وصار كالماء ولا يعود إلى بشريته إلا بعد رجوعه إلى عالمه الذى كان قد أنسلخ منه
وبهذا الاستغراق يفنى الذاكر عن حسه و شريته ويظل يرقى فى عالم الملكوت فيدرك أنه في السماء الأولى بشاهد ملائكتها وأنواع عبادتهم ويخاطبهم ويخاطبونه
ثم يرقى إلى الثانية ويعرف ما يعرف مما بها ويتعرف على عبادة من فيها وما ترجوه الملائكة من ربها ويحيط بحقيقة كل سماء وكواكبها و أملاكها وعلوم أهلها
وهكذا يرقى من سماء إلى سماء حتى سدرة المنتهى وهذا هو المسمى بالعروج الروحي للأولياء
ومن ذلك ما قاله إمامنا وسيدنا أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه عن تلميذه أبي العباس المرسى رضى الله عنه إنه أعرف بطرق السماء منه بطرق الأرض
وبما روى عنه أيضاً أنه قال ليس الرجل منا من يحجبه العرش أى ليس الرجل من يقف بروحانيته تحت العرش لأن العرش من جملة المكونات
بل الرجل من علا بروحانيته فوق العرش حتى يصل إلى رحمانية ربه ويظل في حضرات مولاه الإلهية حتى يدرك أنه لا موجود سواه
وعلامة إنخراق القلب للذكر أن المريد يشعر بخفه في أعضائه حتى يكاد يطير بخفته وإذا سكت لسانه عن الذكر تحرك قلبه في صدره بالذكر فاذا ظل وداوم على ذلك وصل الذكر إلى سره
وهنا تكون الغيبة عن الذكر والذاكر في المذكور عز وجل فيكون الهيمان حتى إذا ترك الذكر لم يتركه الذكر ولا تذهب عنه الأنوار ولا يطيب له قرار إلا بمشاهدة المذكور سبحانه وتعالى بلا أين ولا كيف ]]
{ المنار الهادي في خصائص شيخنا القاضي للعارف بالله عبد الجليل قاسم ص ١١٩ ، ١٢٠ } .
وإلي الجزء الثالث من بيان أثر الذكر :- .